السياسة السودانية

محمد عبد الباقي: لا يجب أن نتسامح مع جنجويد المستقبل

[ad_1]

أثبتت هذه الحرب للشعب السوداني أنه لا يمكن للمواطن السوداني ألا ينخرط في الشأن العام بفاعلية. فحتى وإن اشتغلت أو تشاغلت بالوظيفة أو العمل الخاص أو خرجت خارج السودان، لا يمكنك أن تضمن أي نجاح في أي مجال إذا لم تكن هنالك دولة قوية خلفك في كافة المجالات. بعد الحرب ستبدأ كثير من الأسر من لحظة التأسيس مرة أخرى، ولكن هذه المرة يجب أن تنفق من الوقت والجهد على بناء المؤسسات العامة بنفس الجدية وإن كان ليس بنفس الوقت الذي تنفقه على المؤسسات الخاصة والمشاريع الأسرية والشخصية. يجب أن نبني بيوتنا المنهوبة ولكن يجب أن نبني جامعتنا المحترق، ويجب أن نبني مستشفياتنا المستباحة.

ولكن الدرس الأهم في نظري هو يجب ألا نترك مصير حياتنا لتقرره ثلة صغيرة من السياسيين والعسكر والمرتزقة. لا يجب أن نترك أمر السياسات العامة والشأن العام لفاقدي المواهب ومن يظنون أن الكلام والردح مؤهل لإدارة المؤسسات. إن كان الشعب السوداني يتعفف بصوفية عن تقديم نفسه لإمامة الصلاة فيجب ألا يسمح بعد الآن بأن يؤم المصليين من ليس أقرؤهم. ويجب على جماعة المصلين أن تعلن أنها لن تسمح تحت أي ظروف ولن تجامل أبدا في أن يتقدم للإمامة شخص لسبب سوى جدارته بها.

اللحظة التي يراقب فيها الشعب السوداني إمامه في الصلاة وما “يمَشّي الموضوع” ويصر على المعايير ويراقبها، هي اللحظة التي سننجح فيها كمجتمع في صناعة دولة مؤسسات قوية تليق بإنسان السودان. لا يجب أن نسمح بتلميع إعلامي أو إعلامية بمعايير غير مهنية. هذه مهمة الإعلاميين أن يتصدوا لذلك. لا يجب أن يسمح المعلمون والأكاديميون بوجود مدرسة أو جامعة دون المستوي المهني. لا يجب أن يسمح المهنيون وموظفو الخدمة المدنية بوجود مدير غير مهني. وطبعاً لا يجب أن يسمح العسكر بوجود المليشيات غير المنضبطة ولا يجب أن يسمح الناشطون السياسيون بتصدر المشهد السياسي للركانة إذا كان الكلام فقط هو سلعتهم.

إن وجود حميدتي في شأننا العام وتعديه على حياتنا في شأننا الخاص هو نتيجة قبولنا بفكرة أن السمسار مباح له الكذب وأنه غير مطلوب منه الصدق. إن وجود حميدتي هو تساهل من المجتمع السوداني مع فكرة الshortcut والغنى السريع والتقدم دون استحقاق. إن وجود حميدتي هو نتيجة قبول المجتمع لفكرة مثل القبول الخاص في الجامعات وأنه يوجد طريقة أخرى للتقدم غير العمل الجاد، وأنه يمكن الترقي المادي والاجتماعي دون أن يلبي المرء معيار الكفاءة والجدارة. إن وجود حميدتي هو نتيجة لقبولنا بفكرة أن ابن السياسي “يستحق” أن يرث الحزب من والده دون جدارة.

عندنا يعود الناس للعاصمة سيجدون المباني المحترقة والمنهوبة لجميع البيوت والمؤسسات. عليهم أن يبنوا المؤسسية والمهنية والجدارة لكي تبنى المباني والمعاني. وعليهم أن يدركوا أن استحقار الشأن العام من قبل ثقافة الأندية، وأن عدم الانخراط في انتخابات رابطة الطلاب ولجنة الحي ونقابة العمال ولجنة الجامع معناه المباشر هو السماح لفاقدي الموهبة والمتسلقين بالصعود. ولن يكفي الحديث عنهم باحتقار في صوالين العزاء، لأن أثر التسامح مع هؤلاء كان التهجير ونهب البيوت وقتل الشباب وضياع مدخرات الأسر التي جمعت عبر السنين.

إن الدرس القاسي لهذه الحرب هو ألا يتسامح الشعب السوداني والمجتمع السوداني بعد الحرب مع معدومي الجدارة والكفاءة والموهبة في أمر الشأن العام. فإذا سمحت بأن يتصدر من تظن أنه غير جدير بالثقة، فاعلم أنك تصنع في جنجويد المستقبل الذي سيقتلك ويقتل أبناءك.

محمد عبد الباقي

[ad_2]

مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى