السياسة السودانية

“رمي الودع” في السودان محاولات اقتناص واقع مغاير

[ad_1]

تساوى اهتمام الناس بترقب الأحداث قبل وقوعها بل البحث عنها عبر إشارات معينة على اختلاف ثقافاتهم وأوضاعهم الاجتماعية (اندبندنت عربية – حسن حامد)

في نهاية كل عام تنشط ظاهرة قراءة الطالع والمستقبل والتنبؤ بالحظ تلهفاً لمعرفة ما يحمله العام الجديد من أحداث يتوق الفرد إلى تحققها، وهي مرتبطة بحالات التمني والرغبة الشخصية أكثر منها بالتسليم بما يخبئه المستقبل، والظاهرة على رغم تجددها وتطورها عبر الزمان إلا أنها عرفت منذ الحضارات القديمة ومنها السومرية والفرعونية والصينية والهندية، ولكل منها خصائصها المجتمعية ووسائلها المادية للاستدلال ابتداء من النجوم والكواكب إلى الطبيعة والحيوانات والجمادات وغيرها.

وتساوى اهتمام الناس بترقب الأحداث قبل وقوعها بل البحث عنها عبر إشارات معينة على اختلاف ثقافاتهم وأوضاعهم الاجتماعية ومستوياتهم التعليمية، وبرع متخصصون وهواة في هذا التخصص من خلال درس علم التنجيم وما تبعه من مجالات مشابهة ولكنه لم يقتصر عليهم، إذ ولج إلى هذا المجال دجالون ومشعوذون يخلطون قليلاً من العلم بكثير من الخرافات من أجل التكسب المادي، ويجدون رواجاً كبيراً عند زبائنهم مستغلين طبيعة الإنسان كونه مجبولاً على الفضول الدائم لمعرفة الغيبيات وما يرافق هذا العالم من رهبة.

منى-2.png
كانت جلسات “رمي الودع” نسائية خالصة ودخل عالمها الرجال لأسباب تعانيها فئات المجتمع المختلفة (اندبندنت عربية – حسن حامد)

ولم يؤثر في انتشار هذه الظاهرة وسحرها اعتقاد كثيرين فيها اعتقاداً لا يخالطه شك، أو تكذيب آخرين لها نزولاً عند القاعدة الأثيرة “كذب المنجمون ولو صدقوا”. واستخدم قراءة الطالع ومحاولات الكشف عن المستقبل رؤساء وملوك وسياسيون ورياضيون وفنانون وغيرهم من المشاهير، واهتم بها الأغنياء والفقراء وأصبحت صفحات التنجيم على وسائل التواصل الاجتماعي فضلاً عن المواقع الإلكترونية الأكثر نشاطاً وتفاعلاً، كما أصبح المنجمون نجوماً في مجتمعاتهم وامتد تأثيرهم عابراً للدول وأحياناً القارات عبر وسائل موازية للتنجيم المباشر بالوجود الفعلي في مكان معين مخصص لهذه الخدمة.

أما عن وسائل قراءة الطالع فهي كثيرة ومنها ما اشتهر في المجتمع السوداني بعملية “رمي الودع”، وهو عبارة عن رمي قواقع أو صدف البحر يختار منها سبع صدفات متشابهة وبشكل معروف، تحرك معاً داخل الكف وهي مغلقة ثم تلقى على الأرض، لتقوم قارئة الحظ بترجمة الرسالة الناتجة من وضعية الصدفات بحسب مدى قربها أو بعدها عن بعضها، أو إن كانت مقلوبة على ظهرها أو وجهها، فما يستقر عليه “الودع” في كل مرة له قراءة خاصة ربما تكون مؤكدة للقراءة السابقة أو مختلفة عنها.

ممارسة شعبية

وتناولت مجلة “المقتطف” المصرية المنشورة عام 1904، في باب آثار الشعوب، أن “رمي الودع يقع ضمن المعتقدات القديمة في المجتمع السوداني ومنها السحر والزار والمندل والرمل والعقدة وكشف الدفائن وتفسير الأحلام والخيرة وكتابة الأحجبة والإصابة بالعين والتشاؤم والتفاؤل ووجود الجنّ والعفاريت وعلم التنجيم ونحو ذلك”، وإضافة إلى ذلك تأثر المجتمع السوداني بوسائل أخرى لقراءة الطالع معروفة عالمياً منها استطلاع الأبراج وقراءة الفنجان والتنجيم بالساعة والبندول وقراءة أثر الأقدام وقراءة البطاقات أو التاروت وقراءة الكف، ولكن يظل “رمي الودع” هو الأكثر ارتباطاً بالثقافة الشعبية السودانية.

والخيط الجامع بين هذه الوسائل لمعرفة الغيب رفيع، إذ يمكن أن تشتمل جلسة “رمي الودع” على بعض هذه الوسائل معاً أو أن تكون جلسة فقط من دون أن يخالطها زار أو سحر، ولا يوجد قانون في السودان يحرّم قراءة الطالع لكن هناك منعاً أو تحريماً اجتماعياً غير منصوص عليه في المدن، بينما تتفشى الظاهرة في الأرياف والقرى البعيدة، ولهذا ظل “رمي الودع” ممارسة شعبية في تلك الأنحاء إلى وقت قريب، ولكن مع النزوح الكثيف من الأرياف إلى المدن خصوصاً العاصمة الخرطوم تفشت هذه الممارسة في جلسات القهوة عند السيدات كبيرات السنّ في وقت الظهيرة وأيام مفضلة من كل أسبوع، إذ تزعم قارئة الودع أنها تتكشف فيها الأسرار.

طقوس “الودع”

وقال الباحث الأنثروبولوجي مبارك حتة إن “رمي الودع من ثقافة المعتقدات المجتمعية الراسخة والمنتشرة في السودان للاطلاع على الحظ وما يمكن أن يحدث خلال الأيام المقبلة والمستقبل القريب، وهو مقرون بأيام معينة في الأسبوع”، مضيفاً “يمكن أن تكون جلسة الودع خاصة لشخص واحد يريد أن يطلع على أمر غيبي خاص به سواء كان خيراً أم شراً، فيطلب جلسة بينه وبين قارئة الودع فقط، وما عدا ذلك تعقد جلسات جماعية يؤمها عدد من النساء، وهو مرتبط بجلسات القهوة الجماعية بطقوسها المعروفة من إشعال البخور خصوصاً بخور اللبان والبخور الجاوي، وعندما تصدر طقطقة من البخور أثناء رمي الودع يعني ذلك أن هناك أمراً جللاً، تفسره القارئة بأنه وقوع عين أو حسد أو ما شابه”.

وتابع أن “قارئات الودع يعتقدن أن رمي الودع والجلسة الخاصة به يومي الأحد والأربعاء تعطي قراءة حقيقية وصادقة، وتكون نتائجه مرهونة بما تلقيه السيدة من أموال أحياناً تقدرها ضاربة الودع أو تتركها بحسب ما تستطيعه الزبونة”.

ولفت إلى أن “الودع لا يرمى إلا على رمال أو تربة مخصصة له، وعددها سبع ودعات بعدد أيام الأسبوع ومتساويات في الشكل باستثناء واحدة كبيرة الحجم، وهو عبارة عن صدف بحرية دخل في مجالات أخرى منها تزيين شعر النساء خصوصاً عند قبائل غرب السودان، كما دخل في الأغاني الشعبية السودانية كمناجاة عاطفية لمعرفة ما يخبئه الودع من أحداث”.

وقال أيضاً “ينقسم المجتمع السوداني حول رمي الودع، فكثيرون يرونه ضرباً من الخرافة ويحرمونه، وآخرون يؤمنون به إيماناً قاطعاً، وفئة ثالثة تشارك جلساته من باب التسلية والترفيه”.

سمات “الوداعية”

وتعتلي “ست الودع” أو “الوداعية” في الثقافة الشعبية السودانية مرتبة أقرب لمرتبة شيخة الزار، فهي العارفة والمالكة ربما لمفاتيح أسرار سبع حبات من صدف البحر ربما تغير حياة شخص ما للأفضل أو الأسوأ، بحسب ما تصوره عن ملكاتها الشخصية.

ورأى الباحث حتة أن “الوداعية” تتميز بسمات معينة وهي أنها “سيدة كبيرة السن وذات شخصية معتقة ومتعمقة في الحياة المجتمعية السودانية وملمة بكثير من التفاصيل وأخبار الناس في مجتمعها، وفي قراءتها للودع لا تسمي الأشياء بأسمائها وإنما تعطي إشارات فقط إذا كان هناك عمل مدبر من شخص قريب أو بعيد، أو خير آت أو نحو ذلك، وقد تضيف بعض السيناريوهات الجاذبة مثل أنها رأت رؤيا في المنام بخصوص شخص معين، وتكون الرؤيا كما يحب ذلك الشخص مع بعض الرتوش مما يجعل الحلم غير مؤكد تماماً حتى تحصل من الشخص المعني على ما تريد”.

ويواصل حتة، “لا يقتصر الأمر على الذهاب إلى منزلها لجلسة الودع، فأحياناً تدعى إلى جلسة يتم إكرامها فيها وعقد جلسة القهوة بجانب طقوسها المعروفة، وفي حال صدق ما تنبأت به تغدق عليها الهدايا القيمة”.

“حضرة الودع”

وقالت الاستشارية الاجتماعية والأسرية فوزية حسين إن “رمي الودع في السودان قديم ومرتبط بالزار أو ما يسمى ’الريح الأحمر‘ ولستّ الودع مساعدون غير مرئيين تسميهم الخدام يطلعونها على الأسرار ويضعون الحلول للنساء المترددات عليها”.

وأضافت حسين، “كانت هذه الممارسة التي تسمى أحياناً ’الحضرة‘ قاصرة على النساء فقط، ولكن خلال السنوات الأخيرة دخل عالمها الرجال أيضاً لأسباب تعاني منها فئات المجتمع المختلفة رجالاً ونساء وشباناً وغيرهم، مثل طلب الشفاء من الأمراض والحلول للمشكلات الأسرية والمعاناة النفسية من تأخر الزواج وكذلك المعاناة من الضغوط النفسية لأسباب اقتصادية وغيرها”.

وعن سمات “ست الودع” أوضحت الاستشارية الاجتماعية أن “ست الودع عادة ذات شخصية قوية ولديها مقدرة على صوغ الحكايات بالوصف والإيحاء وربط تفاصيل حياة الشخص أمامها، وتتميز بروح مرحة ودعابة وتتعامل مع المترددين عليها بلطف، وغالباً ما تكون الوداعية على معرفة كاملة بمن يتردد عليها من وضعه الاجتماعي إلى ظروف دراسته أو عمله أو علاقته مع أسرته وجيرانه، وغيرها من التفاصيل الاجتماعية التي تدور حولها التنبؤات، فإن كانت فتاة غير متزوجة تنبئها بالزواج، وإن كانت لم تنجب تبشرها بمولود، كما تحرص الوداعية على تحذير زائرها أو زائرتها مما قد يلحق بها من أذى متوقع من أي كان، وبالطبع تكون على معرفة بخلافات أو شجار أو خصومة بين هؤلاء الأشخاص وغيرهم”.

مشروع تربّح

وتطورت ممارسة “رمي الودع” من مجرد قراءة الطالع من طريق الإلقاء به وتفحصه إلى الادعاء بتيسير الأمور أو فك العارض أو إزالة المرض وغيرها، وأصبحت الممارسة مهنة لعدد مقدر من السيدات، ويعود ذلك بالدرجة الأولى لسوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية وتطور “رمي الودع” من التسلية إلى مشروع تكسب وتربح، فـ “ست الودع” تقرأ الطالع وتتصور مشكلة أو مصيبة ما يمكن أن تحل بالشخص أو تبشره بحسب ما تتوقعه من هواجسه أو أسباب قلقه أو شغفه ولهفته على أمر ما، وهي بالطبع مشاعر تظهر بين ثنايا حديث الشخص الذي يتحول إلى شخص ضعيف أمام سطوة شخصية “ست الودع”، ويفضي إليها بكل ما تريد معرفته من أخبار عنه.

وفي المقابل يكون هناك مبلغ رمزي يسمى “البياض”، على أن يكون هناك مبلغ مالي أكبر منه عند تحقق ما تنبأت به من خير أو دفع شر.

منى عبد الفتاح

إندبندنت عربية

[ad_2]

مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى