السياسة السودانية

إنقطاع الكهرباء كان مثل سقوط قنبلة على كوخ حياة أحدث (صنة) وجوم مفاجئ

لزمت عادة التجوال بين فراغات الأزقة . أطوف بالطرقات لاحيي خيرية (التمشي) وسنة بذل التحايا والسلام . أحب جدا تلك المصافحات التي تجعل أحدهم يجفل لكي لا (ينجلغ) مصرور اللبن .او لحظة مباغتة عم (صديق) وهو يتأهب لوضع كرسي منسوج من البلاستيك . بذاك التصميم الذي يشبه راحة أسد وذاك الميل للخلف بسبب تفكك صرامة لحام نخرته الأيام . كان الرجل السبعيني يضع تلك الطوية على مقعد الكرسي الذي إرتخت سيوره فصارت مثل الحفرة . حينما مستت كفه جفل بغير روع ثم إستقبلني بإصلاح طاقية قطنية زادت وجهه وسامة . كعادته دوما بسام مرح . يصافحك بالكفين . يمسك بكفة وكأنه يتلو سرا . ولا ينسى في تلك الأثناء صيحاته وهو ينهر صبيا تعلق بعنق أخر في مشاجرة ودية كغزل القطط . يصيح يا (ولد) فينفصل تامر ود الحلبية عن عثمان البعيو ! يفرا الى مطاردة تتخلها ضحكات غير مبالية بتنيه العم صديق . الذي يتخذ مجلسه عند زاوية الطريق ليمارس ذاك الفضول الصامت وتأملات العشيات . أقف لهنيهة ثم أعبره الى (حجازي) وهو أخلاط محطة و(مسجد) وضجيج مسائي قوامه . ثرثرات باعة وقوافل عبور من الصنايعية والطلاب . موظفون يرتدون مع المغيب الى أوكارهم . وصرير عجلات السيارات على الأسفلت . فيتوزع الجمع بين مصلي وطالب طعام وجالس يطلب بعض الأنس مع رشفات الشاي وتائه يستفسر عن دكان بوقي !
2
إنقطاع الكهرباء الذي كان مثل سقوط قنبلة على كوخ حياة . أحدث (صنة) وجوم مفاجئ . سمعت بكاء طفل يتصاعد . وجلبة جر اواني . أشعل هارون صاحب الطبلية سيجارة نفث مع نفس منها سيل لعنات ! الرجل محق فقد أقام داخل كشك الحديد (مرضعة) للهواتف السيارة لجيرانه من عمال الفرن والميكانيكة وبعض طلاب جامعة السودان ! إذ أعد دائرة كهربائية يستقبل عليها الهواتف التي نضبت طاقاتها . لقاء جنيهات حسب الجفاف الهاتفي وظروف إحتياجات صاحبه لخط او أثنين . كنت كلما أعبر من الشرق للغرب ألحظ ان الظلمة تزداد وان الأبواب الموصدة للبيوت تنفتح بلا محاذير . سخونة الطقس كانت تدفع بالرجال للتجوال والنساء والقواعد للتوزع بين أجساد في الحيشان .تتطاير أسماع أحاديثن خلف الابواب . أحيانا إن امنن الغرباء يزدن من إتساع إماطة أذى الحذر بفتح الباب قليلا او لزوم جانبه مع الستر غير الفاضح للملامح . فهذا البلد من غرائبه ان الكهرباء حينما تذهب كأن (قطاعها) يشفط الهواء والنسمات فيترك للجميع الجحيم
3
دخلت صيدلية صادفتني . أبحث عن حبوب (الحيرقان) . وددت لو أن هناك (باندوتاك) لحراق الروح لطلبت أخرى له . راقتني الأنوار الباهرة والبرودة الٱسرة . وثرثرات شباب من الصيادلة . أحببت فيهم تلطفهم النبيل بالزبائن وروح الطرفة التي كان ترد بعض من لم يجدوا ما يطلبون فيخرجون مبتسمين . حزت على أخر (شريط) من عقاري غير الثمين او النادر . دفعت نحو 900 جنيه وكنت أشتريه قبل سنوات أقل من ثلاثة بما قدره 20 جنيها ! تابعت بحذر قلق تردد شيخ في طلب ما . أظنه كان يتهيب السعر . وصدق حدسي . أخرج الرجل وريقات عدها . كان يفرزها بصعوبة من روشتات وحزمة قصاصات . لمحته ينظر الى الأرف بحيرة . كنت أدير تدابير التصرف على عجل . هممت بالهمس للصيدلي ان يقبل الروشتة . غمزت فالتقط الشاب إشارتي لكن العجوز كان قد خرج . تسارعنا نلحق به كان مثل شبح توسد لجة الظلام . أحسست بضيق أفسد مسائي . عدت الى مدخل الصيدلية . كانت عجوز قد إفترشت الارض . إكتفت ببسط جانب ثوبها فيما بقيته قد غطت به وجهها . سحبت نظري عنها فيما جانب انفي يلتقط عطر نسائي نفاذ _اظنه ماركة_ لسيدة فاخرة فارهة المظهر . رمقتني بجانب عين نجلاء مكحلة فيما كان لسانها يزجر السيدة العجوز . يا حجة ما تزحي من الطريق ! أظن اني سمعت كلمة (أووف) ! لحظتها خرج صبي . يمسك بكيس أدوية . أنحنى على المزجورة يضع ب وريقات من نقد وقليل حلوى ! وقف بجانبي واظن اني كذلك أسد الطريق قال لي بلطف يا خال ..لو سمحت ؟ ومد اصبعه بمعنى أدينا سكة !
4
إنعطفت شمالا مسارا وجغرافيا أقصد (شنداوي) حدسي كان يقول أني سالتقي عزيز قوم . وبالفعل صادفت (صلاح) وهذه قصة أخرى فما أجمل أن تلتقيه ففيه عبق بيوت القشلاقات العتيقة وتصرف اولاد البوليس ومنابت النابهين من مدني . وساتلو عليكم منه ذكرا

محمد حامد جمعه نوار

محمد حامد جمعة
محمد حامد جمعة نوار


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى