السياسة السودانية

لماذا لم تتنازل بريطانيا عن دارفور لفرنسا ؟

[ad_1]

لماذا لم تتنازل بريطانيا عن دارفور لفرنسا ؟
لم أجد تفسيرا واضحا لإصرار بريطانيا لإبقاء دارفور داخل جغرافيا الحكم الثنائي من 1899م حتى 1916م.
لم تكن دارفور عريقة الإنضمام لحكمدارية سودان عهد ما قبل دولة المهدية ، فقد تم ضم دارفور لحكمدارية السودان في 1874م ولم تمض سبع سنوات حتى اندلعت الثورة المهدية في 1881م.
لم يحكم المصريون ولا السودانيون دارفور خلال السبع سنوات التي سبقت المهدية فقد تعاقب على حكمها نمساوي وإيطالي وألماني وجنسيات أوروبية ، وحده سلاتين الذي صار مشهورا.
وخلال هذه السنوات السبع لم تتوقف ثورات سلاطين الظل من الأسرة الحاكمة لاستعادة استقلال السلطنة ، وخلال دولة المهدية سالموا تحت تأثير الخطاب الديني ومع ذلك قاتلوا جيوش دولة المهدية في نزاعات الحدود أي أنهم حاولوا الجمع بين تبعية العاصمة في أم درمان والحفاظ على درجة من الاستقلال والسيادة على حدودهم التاريخية.
وخلال السنوات من 1883م حتى 1898م أتعبت دارفور الخليفة عبد الله أكثر من أية مكان آخر ومع إنطلاق أول رصاصات معركة كرري يوم 2 سبتمبر 1898م كان علي دينار يشق طريقه نحو الفاشر لاستعادة السلطنة وكانت القبائل قابلة للتسليم لأول أمير قادم من السلالة الحاكمة فكان علي دينار.
وخلال سنوات حكم علي دينار من 1899م حتى 1916م لم تحاول خرطوم الحكم الثنائي التدخل في شئون السلطنة ولم تقدم لها أية مساهمات تنموية ولا تعليمية وتركت أمرها لعلي دينار الغارق في صراعات لا تنتهي مع القبائل والسلطنات الجديدة التي انتهزت فرصة الضم في 1874م للبروز مثل سلطنة دار مساليت وحروب عديدة مع القبائل العربية.
اكتفت خرطوم الحكم الثنائي منه بإعلان التبعية ورفع علمي بريطانيا ومصر وربط سنوي متواضع.
وفي 1916م سيروا حملة قضت عليه وبعدها مباشرة حضر للفاشر أول مدير بريطاني ومن يومها حتى استقلال السودان في 1956م حكم البريطانيون دارفور وتركوها تسير أمورها كما كانت من خلال زعماء القبائل.
كانت فرنسا قد أكملت سيطرتها على جغرافيا تشاد الحالية وأفريقيا الوسطى وقضت على السلطنات التاريخية ، وداي ، باقرمي ، وغيرها ، وقضمت نصف مساحة دار مساليت وتبقى للمساليت النصف الذي ظل في السودان ليحمل اسم دار مساليت وليكون مقرا لسلطان المساليت.
كانت فرنسا راغبة وطامعة في دارفور ، وكانت فرنسا وبريطانيا تعلمان جيدا أن دارفور وتشاد متشاركتان في التركيبة السكانية إذ لا تكاد توجد قبيلة إلا ونصفها هنا ونصفها الآخر هناك وأن التماثل السكاني والثقافي بين دارفور وتشاد أكثر بكثير جدا منه بين دارفور وسودان الشريط النيلي الذي تعودت مكوناته على الخضوع لسلطة الحكم المركزي منذ أن حطم جيش إسماعيل باشا ممالكهم في 1821م.
الصراع بين الحق التاريخي في الأرض وترسيم دولة ما بعد الاستعمار في 1924م : المستوطنون الجدد والأجنبي في أرضه التاريخية !
لم يكن صعبا على بريطانيا وفرنسا الإتفاق على تتبيع دارفور لفرنسا ومن ثم تقرر فرنسا أن تشكل دارفور وتشاد وحدة سياسية واحدة تحت أي مسمى كان تختاره الإدارة الاستعمارية الفرنسية فإسم دولة تشاد نفسه مستحدث ، ربما كان اسم البحيرة ، نعم ، مثل جبل كينيا الذي صار إسم دولة صنعها البريطانيون في شرق أفريقيا.
لو فعلوا ذلك لما نشأت في المستقبل ظاهرة المستوطنون الجدد والمرتبطة بترسيم 1924م إذ كانت كل القبائل الكبرى أفريقية كانت أم عربية ستكون داخل نفس الكيان السياسي وكانوا سيكونون حملة نفس الجنسية.
في سودان الشريط النيلي ما كان أحد سيأبه أو يهتم وقتها 1924م بذلك القرار إن حدث فقد كان الوعي القومي لا يزال يحبو طفلا ولم يكن التعصب للحدود قد ظهر في الثقافة السياسية.
تخلى الإنجليز وقتها للحبشة عن بني شنقول ومساحتها أضعاف مساحة مثلث حلايب ودار مساليت ولم يشعر أحد ولم يحتج أحد.
وقايض الإنجليز الإيطاليين بمثلث سارا في ليبيا ولم يهتم أحد بذلك المثلث ومساحته خمسة أضعاف مساحة مثلث حلايب !!
كانت خلافات الزغاوة والعطاوة على الأرض شمال دارفور ستكون خلافات تحسم بقرارات إدارية من إنجمينا ولكن المجموعات التي ظلت تتحرك في أرضها التاريخية منذ أربعمائة سنة وجدت نفسها تصطدم ببرزخ مصنوع إسمه ترسيم حدود 1924م فأطلقوا عليها بين الجانبين لقب المستوطنون الجدد ودارت الصراعات والثأرات ووجدت حكومات الخرطوم نفسها متورطة في إشكالية مزمنة كان بإمكان متخذ القرار البريطاني والفرنسي إعفائها منها ومن تبعاتها من وقت مبكر جدا.
وأنطلق الصدام بين الحق التاريخي المستند على أسبقية الوجود في الأرض في حقبة من الزمن وحق العودة لأرض الأجداد بالجدار الزمني لاتفاقية بريطانيا وفرنسا بترسيم الحدود في 1924م.
فالعطاوي الذي سبق وجوده في أرض شمال كتم باعتراف بعض مؤرخي الزغاوة والذي اتجه غربا في حقبة سابقة جاءت اتفاقية 1924م لتجعله أجنبيا أو مستوطنا جديدا إذا عاد واتجه شرقا لنفس أرض الأجداد بعد 1924م ، وقس على ذلك العديد من الأمثلة.
وفي خضم تلك الصراعات وجدت الخرطوم نفسها تتورط في نزاعات خارج همومها وموروثاتها التاريخية والثقافية ولأية طرف كانت تنحاز الخرطوم فقد كانت تؤلب ضدها ضغائن أطراف مضادة في دوامة لا تنتهي.
حان الوقت لأن تفكر الخرطوم للتخارج من الدوامة التي ظلت تعصف بها وبالسودان وتكاد أن تذهب بريحها وريح السودان.
#كمال_حامد 👓

[ad_2]

مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى