السياسة السودانية

كشف الأسباب الحقيقية لعطش العاصمة والولايات ..(3)

إرث مائي تحت رحمة الفئران والجقور!

مذبحة مائية لوحدة مياه الشرب والصرف الصحي!!

أصول الشركة الوطنية للحفريات والاستثمار تباع في الدلالة!

جهات مجهولة تستولي على أراضي الشركة الوطنية لتنمية موارد المياه بمنطقة المجاهدين

أضبط .. نافذون في الإنقاذ يستغلون شاحنات الدولة في النقل التجاري!

خطأ في تصميم بوابات سد أربعات يتسبب في تراكم كميات الطمي خلف السد

مقر وحدة مياه الشرب والصرف الصحي بجبرة

أراضٍ تابعة للشركة الوطنية لتنمية موارد المياه تحولت لعمارات سكنية

**القرارات العشوائية التي تفتق عنها ذهن نظام الإنقاذ البائد بحل وتذويب كثير من الهيئات والمؤسسات الحكومية، ألقت بظلالها الداكنة على أدائها ما تسبب في تخبط قراراتها وفشلها وتحولها إلى (عالة) على الدولة وأفقدت المواطنين الخدمات المهمة التي كانت تقدمها لهم .. أخطر قرارات العهد البائد على الإطلاق القرار الجمهوري رقم (1155) الذي أصدره الرئيس المخلوع بحل (الهيئة القومية لمياه المدن)، و(الهيئة القومية لمياه الريف).. هذا القرار الذي يرى فيه الكثيرون أنه المسؤول الأول عن العطش الذي تعاني منه حالياً العاصمة القومية والولايات .. ورغم أن أصابع الاتهام بموجة العطش التي ضربت أحياء العاصمة ومدن الولايات، تشير إلى هيئة مياه الخرطوم والهيئات المماثلة لها بالولايات، لكن هذا غير منصف، إذ أنها هي الأخرى تعاني ما تعاني من إفرازات القرار الجمهوري الكارثة، حيث تقلصت صلاحياتها وميزانياتها وتشردت كفاءاتها من مهندسن وفنيين بوزن الذهب في صناعة المياه .. فما حقيقة القرار الجمهوري رقم (1155)؟ .. وكيف عصف بمنظومة المياه بالعاصمة والولايات، وأصبح باباً واسعاً للتجاوزات الإدارية والمالية ونهب الأموال المخصصة أصلاً لترقية وتحديث أنظمة المياه المختلفة بكل أرجاء البلاد؟ .. وما ملابسات وتفاصيل استيلاء بعض النافذين الإنقاذيين على القروض الأجنبية التي تفضلت بها بعض الهيئات والمؤسسات الأممية لحفر آبار جوفية في دارفور أكثر المناطق عطشاً بالبلاد؟ .. وكيف تحولت مرافق مياه الشرب بالبلاد لإقطاعية لبعض مسؤولي النظام البائد وأتباعهم؟ .. (الحراك) تجيب عن هذه الأسئلة والتساؤلات وغيرها عبر هذا التحقيق الاستقصائي**.

مذبحة مائية

معلومات كثيرة ومتشابكة تحصلت عليها أثناء تجهيزي لهذا التحقيق الاستقصائي حول ما ألحقه القرار الجمهوري رقم (1155) والذي أصدره الرئيس المخلوع بحل هيئة مياه المدن والاستعاضة عنها بـ(وحدة مياه الشرب والصرف الصحي)، والذي فتح الباب واسعاً لتجاوزات كثيرة من بعض محسوبي نظام الإنقاذ البائد، ما أثر كثيراً على الأزمة الحالية التي تشهدها العاصمة والولايات في مياه الشرب،والتي عكسنا بعض ملامحها من خلال الحلقة السابقة..المعلومات الخطيرة التي تحصلت عليها واجهت بها مدير الإدارة العامة للتطوير والتقويم بوحدة مياه الشرب والصرف الصحي التابعة لوزارة الري والموارد المائية الاتحادية. المهندس (محمد أحمد بُكاب)، وللحق لم ينفِ كثيراً ما سقته له من تجاوزات، مشيراً أنه لخص كل السلبيات والممارسات بالوحدة بمذكرة رفعها شخصياً لرئيس وأعضاء لجنة إزالة التمكين، (المحلولة)، وسلمت للجنة قبل حلها بواسطة مجلس السيادة..وهذا ما ورد بالمذكرة والذي يكشف بعض الممارسات والتجاوزات التي لحقت بالوحدة، وأضرت في النهاية بالمنظومة المائية ككل وتسببت في معاناة قاسية وصعبة للمواطنين سواء بالعاصمة أو الولايات الذين لا يزال يحرقهم العطش حتى كتابة هذا التحقيق.. ومن خلال الأسطر التالية ننشر المذكرة التي تكشف أن وحدة المياه المشار إليها تعرضت إلى (مذبحة مائية) بحق وحقيقة، ضحيتها المواطنون بأحياء العاصمة المختلفة الذين يلهثون من العطش منذ سنوات خلت وحتى يومنا هذا.. جاء في المذكرة التي تحصلت (الحراك) على نسخة منها:

السادة رئيس وأعضاء لجنة إزالة التمكين..الموضوع:

(الفساد في وحدة مياه الشرب والصرف الصحي)، التابعة لوزارة الري والموارد المائية الاتحادية..

“ألغيت (الهيئة القومية للمياه) في عام 2007م لتحل محلها (الهيئة العامة للمياه) بنفس القانون وصدر قرار من العهد البائد عام 2012م قضى بإلغاء (الهيئة العامة للمياه)، وأطلقوا عليها مسمىً آخر هو (وحدة مياه الشرب والصرف الصحي)،دون أمر تأسيس كما هو متعارف عليه، ودون قانون، كل ما في الأمر أن هناك نصاً مصاحباً لأمر الإلغاء يقول: “تظل الوحدة على وضعها إلى حين توفيق أوضاعها”.. وتعرضت الوحدة للتهميش والتجاهل التام من نظام الإنقاذ رغم عملها الإستراتيجي المتعلق بالمياه، فمنذ قيامها عام 2012م تجمدت كافة إجراءات الترقيات، ما تسبب في تضرر مصالح العاملين بها تبعاً لذلك.. كما تم سحب اختصاص الوحدة المنصوص عليه قانوناً وهو: (الإشراف على تنفيذ المشروعات ذات التمويل القومي والأجنبي)، وتم منح هذا الاختصاص لشركة خاصة تتبع للنظام البائد!!.

وبعد قرار 2012م آلت نسبة (75) في المائة من أصول (هيئة توفير المياه) في الولايات للولايات، كما تمت تصفية (الشركة الوطنية للحفر والاستثمار)، وتم بيع أصولها في الدلالة!!..كما تمت تصفية (الشركة الوطنية لتنمية موارد المياه) وتم بيع أصولها (خُردة)، وآلت مكاتبها للأراضي، والجزء المتبقي من مساحتها تم توزيعه قطعاً سكنية وورشاً لجهات مجهولة، وشيدت على أرضها عدد من العمارات السكنية.

بعد إنشاء (الهيئة القومية للمياه) بواسطة العهد البائد، وبعد أن استقر لها الوضع، كانت تمتلك أسطولاً كبيراً من الشاحنات غالية الثمن بلغ عددها (16) شاحنة، تم استغلالها من نافذي الإنقاذ في النقل التجاري لمصلحتهم، الخاصة مما أدى لهلاكها ولذلك تم التخلص منها في الدلالة!”.

دربات سد أربعات

وتشير المذكرة في هذا الجانب عن التجاوزات التي لحقت ببعض الإنشاءات المدنية التي نفذتها الهيئة، على سبيل المثال فشل مشروع (سد أربعات) نتيجة خطأ في تصميم الأبواب مما نتج عنه تراكم كميات مهوولة من الأطماء خلف السد، ولمعالجة تلك الإشكالية قامت هيئة مياه بورتسودان باستخدام الخراطيش لنقل المياه من أعلى السد إلى أسفله فيما يعرف بـ(سيستم درب)، أي نظام (الدربات) المستخدم في قنوات غرب مشروع الجزيرة والتي كانت تعاني من وصول مياه الري إليها.. كما فشلت مشروعات التحلية الأربعة: (اي ـ بي ـ سي ـ دي) ببورتسودان.. وتعرضت بعض معدات مشروع مياه بورتسودان من النيل للنهب خاصة تلك التي كانت موجودة عند المآخذ بالدامرـ وقد أشرت لها بالتفصيل في التحقيق الصحفي الصادر الأربعاء (27) أبريل في حلقته الثانية تحت عنوان: (كارثة عطش تهدد بورتسودان .. الأطماء تدفن سد أربعات)، كشف التحقيق عن سرقة معدات وآليات وورشة مشروع مياه بورتسودان من المآخذ بمنطقة الدامر، وتقدر قيمتها بنحو (147) مليون دولار، وذلك عام 2017م.. جلبت هذه المعدات الشركة الصينية، وبعد توقف الشركة الصينية المنفذة للموقع لخلافات مالية فيما يبدو تركت خلفها هذه المعدات، فأصبحت لقمة سائغة لـ(لصوص الغفلة) الذين قاموا بسرقة المعدات والكمر، وتم ضبطهم أخيراً بواسطة فريق من مباحث الدامر وهم ينقلون كميات كبيرة من الحديد والكمر والسيخ الخاصة بمشروع مياه بورتسودان من النيل من المآخذ بالدامر، وضبطتهم وهم يقومون بتقطيع الكمرات الضخمة بالستلين ومن ثم شحنها قطعاً صغيرة بالدفارات لبيعها في الأسواق.. وتم فتح بلاغ في تلك الواقعة المؤسفة بشرطة الدامر.. وتم تقديم القضية للقضاء لكن معلوماتنا أن أيادٍ خفية نافذة امتدت وتآمرت على مندوب (هيئة مياه بورتسودان) المتابع لقضية السرقة فتمت إحالته للمعاش، بينما تم نقل، وبعبارة أصح، (تطفيش) المستشار القانوني للهيئة لمكان آخر، بعدها ماتت القضية خلال عهد الإنقاذ، وماتت معها أحلام أهلنا في بورتسودان في توفير مياه شرب نقية وصحية من النيل!.

الموارد البشرية

تشير المذكرة المعنية المرفوعة إلى لجنة إزالة التمكين، (المحلولة)، بالتفصيل للتجاوزات التي لحقت بالقوى العاملة بوحدة مياه الشرب والصرف الصحي حيث جاء فيها:”القوى العاملة المرصودة في هياكل (وحدة مياه الشرب والصرف الصحي) عددهم (250) وظيفة، المشغولة منها (107)، منهم (26) مهندساً، وهناك مساح واحد غير معين يتبع للهيئة القومية للمياه، وتوفى ـ رحمه الله ـ قبل استيعابه.. وهناك أقاويل وشكوك حول الشهادات والأرقام الهندسية ـ حسب ما ورد في المذكرة ـ أما الإداريون فعدد مقدر منهم من حملة شهادات إكمال ثانوي أو وسطى، ولم تشأ الوحدة ملء الوظائف الشاغرة ولم تسعَ بصورة جادة لاستصدار أمر تأسيس أو قانون للوحدة ما تسبب في ضرر بالغ للعاملين بعد الترقيات والامتيازات.. كما تنازلت الوحدة عن مهمتها الأساسية في الإشراف على المشروعات لصالح إحدى الشركات الهندسية الخاصة، وهذا يعني فقدانها لمبرر وجودها..كما أن مكتبة وحدة مياه الشرب والصرف الصحي تحولت لمقر لسكن الخفير، بينما (حشرت) مقتنيات الوحدة من كتب وتقارير داخل الكراتين عرضة لخطر التهامها بواسطة (الجقور والفئران) النهمة..والمكتبة تمثل إرثاً مائياً لا يقدر بثمن، وما تحتويه من نفائس مائية يمثل تراكماً لخبرات نادرة لأجيال من العلماء والمهندسين، تركوا ذخيرة معرفية ثرة في كل مجالات المياه.

كما أن وحدة مياه الشرب لم تشرك في لجنة إزالة التمكين بوزارة الري الخاصة بمراجعة أداء وحدة السدود، ولم يشرك أي فرد من العاملين بها في اللجنة المذكورة، كما يلاحظ أن عضويتها خلت تماماً من العناصر الثورية التي عرفت بنضالها ضد النظام البائد، وعانت ما عانت من الاضطهاد والحبس في المعتقلات، والبعض يشير صراحة أن لجنة إزالة التمكين المشار إليها لم تأتِ لمراجعة ما يدور في وحدة السدود منذ إنشائها في 28/3/2020م.. وحجم التجاوزات والخراب الذي حدث إبان عهد الإنقاذ في هذا المرفق الهام، يتطلب مراجعة كافة أصول ومشروعات وحدة مياه الشرب والصرف الصحي، (حالياً)، الهيئة القومية للمياه، (سابقاً)، لكونها أضرت كثيراً بمرفق المياه وتسببت في دماره، وهذا يلحظه الجميع من شح وانعدام المياه بمعظم أحياء العاصمة والولايات”.

استثناء لم يتم

تحصلت (الحراك) على مستند هام ـ خطاب ـ لاستثناء الهيئة العامة للمياه وعودتها للعمل مرة أخرى بعد حلها لطبيعة عملها المهمة والحساسة في توفير مياه الشرب للمواطنين.. الخطاب صادر بتاريخ (30) أغسطس 2021م.. هذا نصه:

“السيد وزير الري والموارد المائية..الموضوع: استثناء الهيئة العامة للمياه من قرار مجلس الوزراء رقم (6) لسنة 2012م.. أود أن أشير إلى خطابكم بالنمرة (ورم م/م و/59/أ/623 بتاريخ 4/8/2021م، بشأن الموضوع أعلاه.

أرجو أن أنقل لكم الموافقة على استثناء (الهيئة العامة للمياه) من القرار أعلاه، على أن تقوم الوزارة بإعداد تصور متكامل عن مطلوبات هذا الاستثناء من خلال مراجعة التأسيس السابق ليواكب المرحلة الجديدة، ويتضمن رؤى المستقبل وتقديمه لمجلس الوزراء للإجازة عبر الآليات.

عثمان حسين عثمان..الأمين العام لمجلس الوزراء

وعلقت وزارة الري والموارد المائية على الخطاب السابق للأمين العام لمجلس الوزراء بتاريخ 4/10/2021م، كالآتي:

“السيد/ مدير وحدة مياه الشرب والصرف الصحي..لتكملة المتطلبات بأسرع ما تيسر لرفعها لمجلس الوزراء”..

ولكن حسب متابعتي لم ترفع المتطلبات لمجلس الوزراء، ولم يسلْ وزير الري أو مكتبه التنفيذي عن أسباب عدم رفعها بواسطة وحدة مياه الشرب والصرف الصحي..وبالتالي لم يحدث استثناء (الهيئة العامة للمياه) من قرار مجلس الوزراء رقم (6) لسنة 2012م الذي وافق عليه مجلس الوزراء وعلى ضوء ذلك طلب بعض المتطلبات.. ولذلك ظلت (وحدة مياه الشرب والصرف الصحي) كما هي لم يتغير اسمها حتى اليوم، وظلت بلا مهام تذكر..بل أن عملها انتقل إلى (وحدة السدود).. حيث تم سحب (مشروع حصاد المياه) من وحدة مياه الشرب والصرف الصحي إلى (وحدة السدود).. كما سحب منها العمل التنفيذي للنهضة الزراعية، بجانب (البرنامج السعودي) الذي يعمل في مجال حفر الآبار بكل الولايات، وهو ممول من المملكة العربية السعودية، وبالتالي أصبحت وحدة مياه الشرب والصرف الصحي ليست مسؤولة منه بل وحدة السدود.. والأخطر سحب (مشروع مياه القضارف) من وحدة مياه الشرب وتحويله لوحدة السدود والتي تشرف عليه الآن، وكان يفترض تسليمه قبل (6) سنوات، ولذلك ظل سكان القضارف يحرقهم العطش حتى اليوم، رغم متابعتي لمد شبكة المشروع من سد عطبرة وستيت وحتى مدينة القضارف، بجانب البدء في مد الشبكة الداخلية ببعض الأحياء.

الحلقة الرابعة

ـ ماذا حل بهيئة مياه الريف في عهد الإنقاذ؟.

خطأ إجرائي تسبب في فقدان أراضي الهيئة بالكيلو عشرة الخرطوم وتحويلها لعمارات سكنية.

ـ (الورشة المركزية) التابعة لهيئة مياه الريف والتي كانت مسؤولة عن التركيب الميكانيكي والكهربائي للمحطات النيلية تختفي في ظروف غامضة!.

ـ طلمبة الوقود الخاصة بمياه الريف بالخرطوم تتحول إلى كافتريا!

تحقيق ـ التاج عثمان
صحيفة الحراك السياسي


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى