السياسة السودانية

📍المعقول واللاّ معقول في العلاقات الدبلوماسية (13) – النيلين

[ad_1]

📍المعقول واللاّ معقول في العلاقات الدبلوماسية (13)
📍شريان الحياة (أ)
حدثني المقدَّم (م) مالك أحمد دفع الله (من ود الفادني)، وهو من فرسان جيشنا البواسل، أنه ووحدته العسكرية كانوا بالجنوب في أواخر عهد حكومة السيد الصادق المهدي؛ وأنه بلغ بهم الجوع مبلغاً عظيماً. وهم يفكرون فيما سيأكلون وجدوا دكان زنكي فكسروه؛ فلم يجدوا به سوى سيطان عنج (كرابيج)، وباعتقاد أنها في الأصل جلد حيوان طبخوها ولم تنضج إلّا بعد ساعات وهم يتضورون جوعاً. فلما بردت أكلوها؛ وكانت مفاجأتهم أنهم أكلوا (غراء)؛ ومن أول لقمة التصقت أسنان الفك العلوي بأسنان الفك السفلي؛ ولم يقووا على فتحها إلّا بشق الأنفس.
وحدّثني الأستاذ محجوب فضل الكاتب الصحفي المرموق؛ أنهم وجدوا فرس نهر ميّتٍ فأكلوه. وأنهم اكتشفوا أن أحد الجنود يتسلل خلسة من المعسكر؛ فلما حققوا معه اعترف أنه يجد في طرف المعسكر ضفادع فيصطادها ليأكلها؛ فقرّعوه لاستئثاره بتلك الغنيمة لنفسه، وجرى اتهامه بأنه “يأكل ميز إخوانه الجنود”!!!
هكذا بلغ الحال بجنودنا في الجنوب آنئذ.
وكان جنود الجيش الشعبي يعانون الجوع أيضاً.
وإزاء فشل حكومته في إطعام الجيش وتموينه، قَبِل السيد الصادق بعملية شريان الحياة Operation Lifeline- Sudan، التي نصت اتفاقيتها على أنها عملية إنسانية ترعاها الأمم المتحدة وتقدم الطعام لطرفي الصراع بحَيْدَة ودون تَحَيّز؛ وتقوم على إمداد الطعام عبر “ممرات آمنة” Tranquility Cooridors.
وفيها قسم السودان لقطاع شمالي، وقطاع جنوبي.
وقد أُخضع السيد الصادق لضغوط هائلة للقبول بها بعد رفضه للعملية السابقة المُسماة عملية قوس قزح Operation Rainbow في 1986.
وهكذا كانت شريان الحياة كعقد إذعان Adhesion Contract.
وكان ذلك أول انتهاك صريح لسيادتنا.
وفُرض بطريقة أهل أثينا على خصومهم أهل ميلان، الذين فرضوا عليهم الاستسلام وسداد الجزية عن يدٍ وهم صاغرون قائلين:
“يفعل القوي ما يشاء، ويبقى الضعيف يتجرع معاناة ضعفه”
“the strong do what they can and the weak suffer what they must”
وهكذا قعدت النخبة المُمسكة بأزمّة الأمور وقتها بكرامة شعب، بقبولهم بالعملية وهم يعلمون أن الذين يضغطون عليهم هم الغربيون، الذين ورثوا الظلم منذ ما قبل الحضارة الهيلينية؛ والذين قالت الدراسات: إن حضارتهم هي أكثر الحضارات قتلاً للبشر خلال ألف سنة.
إدارة الدول لا يقوى عليها إلاّ من كان قوياً معتدَّاً بوطنه، مدركاً للمَوَاطِن التي يمكن أن ينفذ منها أعداؤه، ولا يرضى له أن يُشَاك بشَوْكَة.
وسيادة الدول ككرامةِ الرجال:
وما العيشُ؟ لا عشتُ إنْ لَمْ أكُنْ
مخُوفَ الجنابِ حرامَ الحِمَى
معروف لدى المتابعين الارتباط بين الحكومات الغربية وعملية بناء شبكة المنظمات.. ومعروفة العلاقة الوثيقة بين هيئة المعونة الأمريكية ووكالة الاستخبارات الأمريكية والتي تمت منذ إنشاء الوكالة في 1960م.
تجري السيطرة على المنظمات الإنسانية عبر التمويل، الذي تخصصه المعونة لها.
وفي السنوات الماضية برز اتجاه لمزيد من تقوية العلاقة بين المعونة والاستخبارات وأفرع النخبة في الجيش الأمريكي، وسُمي هذا التوجه بــ «عسكرة» المعونة «Militarization of the Agency»، بغرض تسريع التغيير للحكومات التي ترغب الحكومة الأمريكية في «قلقلتها».
وكتب عن هذا بتفصيل المؤلف «William Blum».
حين وصلتُ إلى نيروبي وجدت أن السفارة تتابع العملية، لكن ليس كما ينبغي، فاستأذنت السفير أن أغطيها بصورة أشمل وأدْوَم، فأذن لي.
حضرت أوّل اجتماعين، دون أن أعرِّف نفسي. وخلالهما وجدت أن العداء سافر للسودان، يتحدث ممثلو المنظمات المنضوية للعملية بصورة تجريمية للسودان، ويرمونه بكل كريهة.
يتحدثون عن الشمال العربي المسلم العُنصري؛ وعن اضطهاد واستغلال للمسيحيين والأرواحيين وقتلهم بالغازات السامة!!!
وفي الاجتماع الثالث أفصحت عن شخصيتي.
ومنذ ذلك اليوم لم يعد أحد يسفر عن عدائه؛ فقد أدرك القوم الصباح فسكتوا عن الكلام غير المُباح!!!
وظللت أتلقى تنويراً من ممثل جهاز الأمن المرحوم الصديق العميد آدم جِمِع، ومن بعده كمال عبد اللطيف؛ ومن الملحق العسكري العقيد (وقتها) محجوب شرفي قبل كل اجتماع.. وكانت الاجتماعات منصة مفيدة لنا لإجهاض عمليات التمرد العسكرية، وبعض مؤامرات المنظمات حين أتحدث عنها في الاجتماعات.
بالنقيض لما يبدو عليه، فلكمال عبد اللطيف قلب رقيق يتمزّق لفراق من يصادق وَمَنْ يزامل.
ولن أنسى كيف أجهش بالبكاء وهو يلتزمني يودعني داخل الطائرة وأنا في طريقي لواشنطن. وكذلك نحيبه حين نُقِلَ مساعده النقيب (أمن) عبد القادر حسّان.. وكان عبد القادر خلوقاً، أريباً، وكان حين يتلو القرآن يُحّلق بك في عوالم أرواح سامية.
عُرفت بين الزملاء بفشلي الذريع في ادخار المال. ومن طرائف هذا أن الأستاذ عبد الدافع الخطيب سألني عن مقدار وفوراتي وأنا أتأهب للسفر للعمل بسفارتنا بواشنطن؛ قلت له: تسعمائة دولار؛ فقهقه ضاحكاً، وقال لي:
“دي التسعمائة دولار الداير تحل بيها مشكلتنا مع أمريكا؟؟”!!!
لقد كان الرجل – ولايزال – ظريفاً طريفاً.
وقتها كانت ميزانية عملية شريان الحياة السنوية 225 – 235 مليون دولار.
ومن جانب حركة التمرد كانت منظمتهم الإغاثية South Sudan Relief and Rehabilitation Commission تمثل الحركة، وكان يرأسها دكتور جستن ياك زميل دكتور علي الحاج في كلية الطب.
كان جستن ياك رجلاً غريب الأطوار.
ومصداق ذلك أن بنته هربت من معسكرات المتمردين في الجنوب، وعلم موسى علي سليمان -رحمه الله – بأمرها فطلبت منه إيصالها لأبيها. وكان موسى إنساناً بكل ما تحمل الكلمة من معاني. كان بوسعه أن يتركها تهيم على وجهها في نيروبي؛ لكنه جاء بها للسفارة وطلب من القنصل نادر يوسف الذي كان بدوره إنساناً رفيع الخُلُق – سفيرنا بأنقرا الآن – إيصالها لأبيها، فاستجاب وحملها بعربة السفارة لمكتب جستن ياك.
لكن صدمته وصدمة البنت الكبرى التي جعلتها تنهار، أن الرجل رفض استقبال بنته، بل أرسل ابنه ليقول للقنصل: أوصلوها لمعسكر اللاجئين!!!
وعلى ذكر القنصل نفيد أنه في عهد نميري كانت مسؤولية القنصل توكل لضباط الأمن ، ولكن الإنقاذ جعلتها من مسؤوليات الدبلوماسيين .
وكان أهم ثلاث شخصيات في مكتب العملية بنيروبي هم:
الأيرلندي فيليب أوبراين عن اليونسيف وهو منسق العملية Coordinator، وألماني ممثل لبرنامج الغذاء العالمي WFP اسمه هانوش، وفرنسي يسمى جون لوك سيبلو.. وثلاثتهم معادون لنا، يؤثرون حركة التمرد ويحابونها بتسهيل بذل الإغاثات.
كان ذلك الثلاثي هم من نَبّهُوني أن حَيْدَة الموظفين الدوليين الغربيين، إنما هي من أساطير السياسة الدولية.

السفير عبد الله الأزرق

[ad_2]

مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى