السياسة السودانية

ما وراء قرار استنفار متقاعدي الجيش السوداني؟

[ad_1]

أثار القرار المفاجئ لوزارة الدفاع السودانية، أمس الجمعة، باستدعاء الجنود المتقاعدين “وكل القادرين على حمل السلاح للتوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم تأميناً لأنفسهم” جملة من التساؤلات عن السر وراء اتخاذه، وما قد يعكسه من واقع على الأرض، خصوصاً لجهة دعم الجيش في المواجهات المتواصلة مع قوات الدعم السريع.
وذكر وزير الدفاع السوداني، ياسين إبراهيم ياسين، في بيان للوزارة “بما أن قوات التمرد تمادت في إذلال رموز الدولة من الأدباء والصحافيين والقضاة والأطباء، وأسر ومطاردة والقبض على معاشيي (متقاعدي) القوات النظامية، إننا نوجه نداءنا هذا، ونهيب بكل معاشيي القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وجنود، وكل القادرين على حمل السلاح، بالتوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم، تأميناً لأنفسهم وحرماتهم وجيرانهم، وحماية لأعراضهم، والعمل وفق خطط هذه المناطق”.
وأثار الإعلان سجالاً واسعاً، خصوصاً عبارة “كل القادرين على حمل السلاح” ما يعني فتح المجال أمام تسليح المواطنين، ما دفع وزارة الدفاع إلى إصدار بيان لاحق وضحت فيه أن المعنيين بالنداء هم متقاعدو القوات المسلحة. وعزت الوزارة، قرار استدعائهم اتساقاً مع الظروف التي فرضها “تمرد قوات الدعم السريع واستهدافها المواطنين الأبرياء، واستخدامهم دروعاً بشرية، مع نهب ممتلكاتهم واحتلال منازلهم، إضافة لعمليات الترويع والإذلال، مع تعطيل الحياة العامة، من خلال استهداف مراكز خدمات المياه، والكهرباء، والمستشفيات والبنية التحتية للدولة، مع نهب البنوك، وحرق الأسواق والمطارات والوزارات، وخلق الفوضى بتحرير السجناء، واحتلال أقسام الشرطة ومقار جهاز المخابرات العامة”.
وأضافت الوزارة أن الخطوة ستدعم الجهد العسكري الكبير الذي تبذله القوات المسلحة في سبيل إعادة الأمن والاستقرار، مشيرة إلى أن الاستدعاء يشمل كل ضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة المتقاعدين الذين لا تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، ويتمتعون باللياقة الطبية والبدنية، والقدرة على حمل واستخدام السلاح، على أن يبدأ تجميعهم بالوحدات العسكرية اعتباراً من يوم الاثنين المقبل.

تأويلات متفاوتة
من جهتها، وصفت قوات الدعم السريع بيان وزارة الدفاع بأنه “خطير”، ورأت أن هذه الخطوة تدل على “يأس وتخبط” الجيش السوداني، و”محاولة الاحتماء بالمواطنين الأبرياء للقتال نيابة عنهم، بدلاً عن المحافظة على سلامة وأمن المواطنين العزل”.

ورفض الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، كل التفسيرات المنتقدة لقرار وزارة الدفاع، وقال لـ”العربي الجديد”: “نفهم جيداً دوافع أولئك… القوات المسلحة ليست في حاجة إطلاقاً لمقاتلين، وفيها ما يكفي ويزيد، وحتى الآن لم نستخدم معظم تشكيلاتنا، وهذا أمر واضح”.

وتابع قائلاً: “بيان استدعاء الاحتياط جاءت حيثياته واضحة في متنه، وهو إجراء يجري اتخاذه بموجب كل دساتير الدول في كل العالم، والغرض هو تأمين المواطنين وأحيائهم وحرماتهم من انتهاكات المتمردين”.

واندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الخامس عشر من إبريل/ نيسان الماضي، ودخلت، اليوم السبت، أسبوعها السابع، وطوال تلك المدة لم يتمكن أي من الطرفين من حسم المعركة. وتنتشر قوات الدعم السريع بشكل واسع في العاصمة الخرطوم وأحكمت سيطرتها على مواقع استراتيجية، مثل القصر الرئاسي، وجزء من مقر قيادة الجيش، ومقرات عسكرية أخرى، ومقر الهيئة الحكومية للإذاعة والتلفزيون، ومصفاة الجيلي، ومدينة جياد الصناعية، وعدد من الجسور. وأظهرت المعارك تفوقاً عددياً للدعم السريع على حساب الجيش الذي يعتمد في معاركه على قوة سلاح الطيران وغاراته اليومية على نقاط تجمع وارتكاز الدعم السريع. وبرأي كثيرين فإن قرار وزارة الدفاع باستدعاء قوات الاحتياط، بالإضافة لتصريحات أخرى لقادة عسكريين بإمكانية تسليح المواطنين أو طلب آخرين منهم تسليح أنفسهم، هدفه علاج القصور في عدد المقاتلين في صفوف الجيش.

حماية الأحياء من اللصوص
المحلل السياسي بكري المدني، يلفت النظر إلى أن قرار وزير الدفاع الفريق ياسين إبراهيم ياسين، له بعد آخر، “فعبره يريد الوزير القول إنه موجود ومع الجيش وجزء من الخطط، وذلك لغيابه الكلي عن الأحداث من اندلاعها، ما ترك جملة من التساؤلات في الساحة العسكرية والسياسية”، على حد تعبيره.
أما من الناحية الموضوعية للقرار، فيراهن المدني في حديثه لـ”العربي الجديد” على أن تسليح متقاعدي الجيش سيساعد الشباب في حماية الأحياء من اللصوص وعصابات النهب المسلح المنتشرة بكثافة في العاصمة.
وبالنسبة للمدني فإن الأمر لن يكون مجدياً إذا ما تعلق بإشراك متقاعدي الجيش في المواجهات مع قوات الدعم السريع، وعزا ذلك لأسباب عدة “أولها لا يمكن للمتقاعدين القتال ببندقية واحدة تمنح لهم مقابل تسليح متقدم للدعم السريع، وثانيها لكبر سنهم مقارنة مع متوسط أعمار عناصر الدعم السريع، وقبل ذلك هناك مشكلة تتعلق بكيفية حصولهم على السلاح، مع الانتشار الواسع للدعم السريع، بحيث لا يستطيع أي منهم الوصول لأي وحدة عسكرية دون المرور بارتكاز ونقاط تفتيش قوات الدعم السريع”.

واستطرد المدني بالقول “المعركة هي معركة القوات النظامية وحدها، وعليها أن تواصل فيها وتحرك كل قواتها المقاتلة”، مستبعداً فكرة وجود نقص في عدد المقاتلين في الجيش. وربط ذلك بوجود ألوية وفرق عديدة، معتبراً أن المشكلة تكمن على ما يبدو في طريقة إدارة المعركة، أو لعدم التجاوب مع الأوامر العسكرية.

فك ارتباط
يضع أسعد التاي، وهو ضابط سابق في الجيش السوداني، في البداية ملاحظة شكلية متعلقة بقرار وزارة الدفاع استدعاء قوات الاحتياط، موضحاً أن قائد الجيش رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان أصدر في يناير/ كانون الثاني الماضي مرسوماً قرر فيه إعادة هيكلة القوات المسلحة وقيادتها ووزارة الدفاع، حيث فك الارتباط بين الوزارة والقيادة العامة للقوات المسلحة.

وقال التاي لـ”العربي الجديد”: “لذا ليس لوزارة الدفاع أي علاقة بأعمال القوات المسلحة الحربية والإدارية، بموجب ما هو صادر من البرهان”، مضيفاً “إذا جرى تفسير القرار من زاوية حسن النية، فهو يبحث عن دعم للمجهود الحربي للقوات المسلحة، لكنه أعطى في الوقت ذاته انطباعاً مفاده أن القوات المسلحة في موقف حرج للغاية، وينفي ادعاءاتها السابقة بسيطرتها وأنها لم تستخدم كل قوتها في هذه الحرب”.
كما أشار إلى أن “فتح مخازن القوات المسلحة لإخراج الأسلحة والذخائر بغرض تسليمها للمواطنين داخل الأحياء السكنية يزيد من احتمالية وقوعها في أيدي قوات الدعم السريع التي تعاني قطعاً من نقص الإمدادات”، مضيفاً أن من يفسر القرار من زاوية سوء النية يمكنه الزعم أن “متخذ القرار متآمر مع قوات الدعم السريع لإمدادها بالسلاح والذخيرة، تحت غطاء ذلك القرار”.

قرار “غير موفق”
من جهته، يرى الخبير العسكري، عمر أرباب، أن قرار وزارة الدفاع “غير موفق، وقد يساهم في زعزعة ثقة المواطنين في القوات المسلحة، وعدم قدرتها على حسم المعركة مع الميليشيا”، مبيناً لـ”العربي الجديد” أن “استدعاء قوات الاحتياط يجري بطريقة معلومة في حالات الحرب والطوارئ والكوارث الطبيعية، وغيرها، وهي موضحة في قانون القوات المسلحة”.
واعتبر أن القرار جاء “نتيجة نقص في أفراد المشاة، لأن الجيش وحسب المعطيات يحتاج لأفراد يعملون في تأمين نقاط الارتكاز، بعد عمليات التمشيط، حيث قام الجيش في أربع مرات بعمليات تمشيط دون أن يضع نقاط ارتكاز في الطرق وغيرها ما أتاح المجال لقوات الدعم السريع للعودة مرة أخرى للمناطق ذاتها”.

وتوقع أن يساهم القرار في “تحسين إيجابي لوضع القوات المسلحة، لكن لن يؤدي لنتيجة لحسم المعركة بصورة كبيرة”. وتوقع كذلك أن تكون خطوات المتقاعدين متفاوتة، فقد يتجاوب البعض مع نداء وزارة الدفاع، فيما قد يتحفظ عليها البعض الآخر ممن لهم مبررات شخصية، لا سيما من يطالبون بإعادتهم للخدمة العسكرية قبل المشاركة في الحرب.

إلى ذلك يبدي الناطق الرسمي باسم لجان المقاومة السودانية، يعمر زهران، تخوفه من فكرة تسليح المواطنين، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن مثل هذه الدعاوى قد تقود البلاد للحرب الأهلية، “وهو الشيء الوحيد الذي يفوق هذا الصراع المسلح في السوء”، على حد تعبيره.
وقال إن هذا التطور قد يحول الاشتباكات إلى حرب أهلية مكتملة الأركان بعد عدد من التصريحات في الآونة الأخيرة لعدد من نظار القبائل، وإعلان مساندتهم لأحد طرفي الصراع المسلح. وأضاف قائلاً: “وزير الدفاع الفريق ياسين إبراهيم ياسين في شخصه ليس له صلاحية لحمل السلاح، بالتالي لا مشروعية له لاتخاذ قرارات كهذه”، مجدداً الدعوة لكل أبناء الشعب السوداني بألا يساهموا في زيادة رقعه الحرب والدمار، وأن يعبروا عن مواقفهم بسلم، ومن خلال العمل المدني المستمر متى ما توفرت لهم الوسائل لذلك.

العربي الجديد

[ad_2]

مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى