السياسة السودانية

السودان .. المعركة قصيرة والنصر مؤكد

في ال١٨ من يوليو ٢٠١٢م وفي بدايات المؤامرة العربية الصهيونية الغربية، كان العماد (الفريق) حسن تركماني معاون نائب رئيس الجمهورية السوري، ورئيس الفريق الحكومي لإدارة الأزمة يدير اجتماعاً هاماً لكبار القادة العسكريين من بينهم وزير الدفاع، ونائبه، ورئيس مكتب الأمن القومي، ووزير الداخلية، ورئيس فرع التحقيقات في جهاز أمن الدولة، حين دوى انفجار هائل أدى لاستشهادهم ما عدا وزير الداخلية الذي نجا من الحادث.
في ذلك الحين كنا نكتب في الخرطوم أن (العقال حول العنق والغترة حول الوسط) وأن *القادة العرب يضعون العقالات بأيديهم على أعناقهم “بينما جامعتهم (الشقية) تلف الغترة حول وسطها إيذاناً بعهد جديد تتحول فيه من بيت طاعة وخضوع إلى نادٍ للرقص على أشلاء الذات*” .
***
بعد الإنفجار حبس العالم أنفاسه بإنتظار سقوط النظام السوري، وأجل مجلس الأمن مداولاته حول الشام، وأعلن عدد من قادة الجيش الميدانيين انشقاقهم عن النظام وفر بعض الجنود من مواقع (ارتكازاتهم)، وزايد مسؤولون غربيون أمام أضواء الكاميرات بإدانة الحادث الإرهابي بينما وسائل إعلامهم تفضحهم وهي تصفق للنبأ والخسارة الفادحة. في ذات الحين كان الإعلام العربي الصهيوني يستضيف الخونة السوريين الذين كانوا يتبجحون بالتنافس كذباً بأنهم هم من نفذوا العمل الإرهابي، وقطيع جماهير المتفرجين يحشون أفواههم بالثريد ويصفقون للموت الذي يصيب إخوانهم ظناً أنهم في مأمن منه.
ربط النظام السوري جأشه (إقرأ كرب قاشه) وقام بتعيين آخرين في ذات الموقع التي استشهد فيها أسلافهم ليواصلوا الاجتماع من حيث انتهى الشهداء حتى انتصرت سوريا على المؤامرة، وهي بالتأكيد لن تنسى!
***
*نحن في السودان ليس لدينا ترف السوريين في نظام يفرز القادة بإنتظام وسلاسة وفيما يختطف الدولة ٥ اشخاص يسكنون موقعاً يعرف الجميع موقعه وإحداثياته، فإن حدوث عمل إرهابي يستبعد القادة الخمسة من ميدان المعركة سيستبعد السودان كله من خريطة العالم*.
يواجه السودان عدواناً عربياً متآمراً وجاحداً (كما ينبغي للعرب الأصيلين) وأفريقياً (مرتشياً) وغربياً حاقداً يعاونه ٦ جنرالات سودانيين أحدهم يعلن حربه الصريحة ضد الدولة (حميدتي) وخمسة يعاونونه بالتآمر على اختطاف الدولة، والعجز عن ممارسة مهامهم.
يعيش الفريق البرهان ومعاونوه أسرى سرداب تحت الأرض في الخرطوم لا يستطيعون الخروج منها مسافة كيلومتر واحد، ويتحصنون بحائط عالٍ إن سقط وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام عدو يتربص بهم الدوائر، وبالرغم من ذلك يحتفظون بأختام الدولة والسلطة كلها تحت وسائدهم!
لم يعلنوا حتى الآن عن قرارات بتجريد من يحاربونهم من رتبهم العسكرية وطردهم من الخدمة، ولم يعلنوا الحرب، ولا حالة الطوارئ، ولم يشكلوا خلية لإدارة الأزمة من رجال الدولة والعسكريين، ولم يقوموا بتعيين صف ثان وثالث من القادة للحلول مكانهم إذا تم قطع خدمة الواتساب عنهم والكهرباء.
على الشعب أن يدرك الآن أن قطع الكهرباء والتشويش على الاتصالات (المراقبة أصلاً) عن البدروم يعني خنق السودان كله.
***
ما هو الحل إذن؟
*الحل العاجل الآن يكمن في عدة خطوات كما يلي*:
1- إعلان حالة الطوارئ وتعطيل الوثائق الدستورية الحاكمة.
2- تعيين مجلس عسكري مؤقت من ٢٠ ضابط يتولى قيادة البلاد خلال فترة الحرب هذه وتعيين ضباط احتياطيين للإنابة عنهم. إن الترتيبات التي أجراها الفريق البرهان على قيادة الجيش تجعل المرء يصاب بالرعب إذا تم حرمان -سعادته- من ممارسة مهامه، فالرجل الثاني في الصف هو الفريق كباشي الذي فشل طوال عام ونيف من إدارته السرية لجهاز الدولة، ويليه الفريق ياسر العطا الذي لا يصلح لشيء.. لا يصلح لشيء البتة. إن قيادة الجيش بحاجة إلى تعزيزها بصف ثان نزيه وقوي ومحترم.
3- تجريد جميع ضباط الدعم السريع المتمردين من الرتب العسكرية وعزلهم برتبة جندي، وهذا إجراء قانوني مهم، إضافة إلى أنه قرار سياسي بالغ الأثر. إن قرار البرهان بإحالة الضباط المنشقين عن الجيش الوطني والذين يفاوضونه نيابة عن العدو برتبهم العسكرية وترتيب استحقاقاتهم قرار خاطئ ومخزي وينبغي أن يعاد النظر فيه على أساس التجريد والعزل.
4- تعيين قيادة جديدة لجهاز الأمن والمخابرات.
5- تعيين لجنة دبلوماسية لإدارة الأزمة برئاسة دبلوماسي مخضرم وعضوية عدد من السفراء السودانيين في الخارج من غير المبتعثين إلى دول الشرق العربي. لدى السودان ما يزيد عن ال٥٠ سفيراً يتمتعون بحرية الحركة خارج البلاد لكنهم مقيدون ومعاقون عن أداء مهامهم الشريفة بأمر سجناء السرداب.
6- تعيين لجنة حقوقية طارئة لصياغة قوانين عاجلة للتعامل مع ظروف الحرب وعمليات النهب والسلب والتهريب، والتجسس بطبيعة الحال.
7- تعيين فريق إعلامي بقيادة ذات كفاءة وخبرة واستقامة وأعضاء في عدد من المحطات المهمة، بإستثناء الشرق العربي حيث القيود معيقة عن أداء أي مهام في الوقت الحاضر.
*البديل في حالة عدم استجابة الفريق البرهان وشركائه الأربعة للتعاطي بمسئولية مع الأزمة*:
1- تشكيل مجلس عسكري احتياطي من قادة الفرق العسكرية والألوية داخل الخرطوم وخارجها والاستعداد لإنتقال القيادة في أول سانحة مناسبة، إما بإقالة الضباط الخمسة وعزلهم وتحويل السرداب الذي يتحصنون به إلى سكن مؤقت لهم لحين اخضاعهم للمحاكمة، أو انتظار أي تغيير قد يستبعدهم من الساحة أو يعيقهم عن أداء مهامهم.
***
إن انتصار القيادة الحالية للحكم في السودان على العدو ممكن وسهل ويسير لكنه يبدأ بخطوة صعبة وهي الانتصار على الذات! ينبغي على الجنرالات الخمسة أن يعوا أن انتصار السودان في هذه المرحلة هو الأهم، وأن بقاءهم في السلطة بالخصم على دماء الشعب وممتلكاته غير ممكن مهما أطالوا أمد الحرب وأعاقوا الانتصار.
***
*إن إطالة أمد الحرب يعني توسيع مدى المأساة الإنسانية وزيادة الخسائر في الأرواح والدماء والممتلكات، وبناء ذاكرة شعبية بشعة يختلط فيها الرعب بالإهانة والاغتصاب والفظائع*. الحرائر يصرخن وامعتصماه وليس ثمة معتصم يستجيب لهن! ستعود المباني لأصحابها وستتم معالجة آثار الدمار فيها لكن كيف سيتم محو ما حاق بالأرواح؟ ألم يقرأ الجنرالات الخمسة ما كتبه الشاعر الخالد محجوب شريف قبل عقود: كل الجروح بتروح/ إلا التي في الروح؟
***
*إن إطالة أمد الحرب يعني فتح مسارات للتدخلات الأجنبية عبر بوابات التدخل الإنساني حيث ستحمل طائرات الأمم المتحدة والمنظمات الأجنبية السلاح وأجهزة الاتصال والسيارات*. كشاهد على حرب شرق السودان ١٩٩٤-٢٠٠٥م أعرف ويعرف غيري أسماء وعناوين المنظمات الأجنبية التي وفرت السيارات، والمال، والغذاء، وأجهزة الاتصالات، والعلاج للتنظيمات المسلحة.. لا جدال هنا.
***
*إن إطالة أمد الحرب يعني تكثيف ضغط دبلوماسية العدو المسنودة بحقائب المال السائب، ووزارات الخارجية الفاعلة، وأجهزة المخابرات القاسية على الشعب السوداني في الداخل والخارج وتعميق مأساته الإنسانية، وكسر ارادته الراغبة في النصر بحيث يكون النصر والهزيمة عنده سيان* في الوطن مقابل انتهاء مأساته الخاصة، ويا ويل شعب يضطر أبناؤه لرمي وطنهم في قارعة الطريق من أجل خلاصهم الفردي!
***
*إن إطالة أمد الحرب يعني المزيد من ملايين الدولارات في جيوب دبلوماسيي المنظمات القارية المرتشين، لذلك فإن حرص الإتحاد الأفريقي والإيقاد وغيرها من أدوات الاستعمار الغربي الممول عربياً على استمرار الحرب سيكون أعلى من حرصهم على انهائها*.
***
*هناك عدة عوامل ستجعل من انتصار الجيش الوطني مسألة وقت لا أكثر فموسم الأمطار في طريقه ليجعل الخرطوم عاصمة غير قابلة للسكنى والحركة العسكرية في الطرقات كما في كل عام. ستحرم الأمطار وفيضانات النيل سيارات المتمردين من الحركة والمناورة، وستجعلها هدفاً سهلاً لسلاح الجو وقناصة الأرض. سيجعل موسم الأمطار طريق الهروب إلى ليبيا والدول المجاورة طريقاً مشرعاً نحو الجحيم.*
ها قد بدأت قوافل المتمردين في الهروب من ميدان الحرب الذي صنعوه بأيديهم، ولوحظ تناقص عددهم في الإرتكازات المحيطة بالعاصمة، وقلة عتادهم، وتخليهم عن الزي العسكري وهو ما يظنون أنه سيسهل عليهم عملية الفرار إذا حمي الوطيس عليهم.
ها قد بدأ موسم الحج وهو موسم له قدسيته الخاصة في غرب أفريقيا ومن المستبعد أن يبقى اللصوص الذين نهبوا أهل الخرطوم في مناطق العمليات حتى يخسرونها ويفقدون حياتهم فمشاركتهم في الدعم السريع اصلاً وفي حرب التمرد هي ارتزاق للحصول على المال في بيئة ليس لهم فيها طعام ولا من ضريع قد يسمن أو يغني من جوع.
سيعود الناجون من محرقة الحرب إلى بلدانهم وسيضيفون عنصراً جديداً إلى عناصر عدم الاستقرار والجريمة العابرة للحدود في بلدانهم وسيعود السودانيون إلى ساحات بيوتهم وسيتفرجون – بينما يشربون شاي العصر- على صور المجرمين أنفسهم وهم يمارسون جرائمهم البشعة في عواصم بلدانهم التي أرسلتهم إلينا، فليس لهم غير القتل والنهب من مهارة وليس لهم غيره من خيار.
***
خلاصة القول إنه ليس ثمة مقارنة بين إمكانيات الجيش السوداني والشعب السوداني وامكانيات العدو، وبالرغم من دخول عنصر جديد في الحرب وهو حصول المتمردين على المزيد من الأسلحة المهربة بما فيها المسيرات، فإن تفوق الجيش الوطني ليس محل شك. ينبغي علينا الآن البدء في تسيير مواكب النصر، وتحرير الخرطوم الذي سيبدأ بفك أسر القرار الوطني من قبضة الخمسة، وإشراك المزيد من العسكريين والوطنيين في هزيمة العدو.
(١٨ يونيو ٢٠٢٣م)

محمد عثمان إبراهيم


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى