السياسة السودانية

أيوب صديق: ثمراتُ الشجرةِ الخبيثة

استنكر عدد كبيرٌ من الناس، منعَ والي الجزيرة حشدًا من الناس اجتمعوا للاستماع إليه من ترديد( الله أكبر) قائلا لهم(الله أكبر دي حقت الجماعة الفاتوا وحقو الناس تخليها) ولم يعلم هذا الرجلُ بأنه من حيث لم يرد قد أكد صفة الإيمان لأولئك (الجماعة الفاتوا) ونازعًا لها عن نفسه، وهي قول الله أكبر، الذي هو مُفتتحُ الإحرام لأهم فرض في الإسلام وهو الصلاة. والتكبير أمرٌ وللهِ الحمد أُرضعه الناسُ إرضاعًا في بلادنا بنشأتهم الإسلامية، فألفته ألسنتُهم على الدوام في عباداتهم اليومية، وفي اجتماعاتهم العامة وهم يعالجون شؤونهم أفراحا وأحزانا. ولا سيما طيلة سنوات (الجماعة الفاتوا) أي سنوات الإنقاذ، حيث كانوا جميعًا، مسؤولين وغير مسؤولين يرفعون أصبع السبابة دلالة التوحيد، وهم يرددون لا إله إلا الله والله أكبر. فالله أكبر التي أغاظت هذا الوالي، الذي ربما لهذه الصفة أختاره نظامُ ما بعد الثورة لمنصبه هذا. وربما علا مقامه الان باستنكاره التكبير عند قحت المركزي التي أصبحت قيمة المرء عندها تُقاس ببعده عن الله.
وعلى هذه القاعدة الملعونة أخبرني صديقٌ كريمٌ بأن امرأة شيوعيةً معروفة بينهم في هذا العهد (المجيد) قالت له ذات يوم ( يا فلان، قالوا إنتَ بَقيت ما كويس) فقال لها لماذا؟ قالت له( قالوا بقيت بتصلى وما بتشرب) فقال لها (فإن كنتُ عندكم بقيت ما كويس لأني بصلي وما بشرب، فأنا فعلا بصلي وما بشرب) وهكذا أصبح مقياس فضل الرجال في زمن الثورة المجيدة!! ولا يستغرب أن الجهرَ بقول الله أكبر قد أغاظ هذا الوالي، الذي هو من طينة هذه المرأة ومن هم على شاكلتها، ممن في نفوسهم مرضٌ تنطوي عليه، وهم لا يخلو منهم زمانٌ أو مكان. فإذا قال شخصٌ ما لآخر( لا تذكر لي قلانًا هذا.. ) فهذا قول يدل على أنه يمقتُ فلانًا، ومن ثم لا يحب سيرته. وهذا نظيرُ قول هذا الوالي بألا تسمعه جمهرة الناس حوله قول الله أكبر! والأدهى والأمر قيل إنه كان مسؤولا إبَّان زمن الإنقاذ في شندي، ولا بد أنه ردد هذا التكبيرَ مرارًا، راغمًا مع مسؤولي الحكم آنذاك، ولما ذهب حكم الإنقاذ قذف اللهُ على لسانه ما كان مُستكنًا في نفسه ، وهذا شأن المنافقين في كل زمان ومكان ، وكما قال الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى:
وَمَهما تَكُن عِندَ اِمرِئٍ مِن خَليقَةٍ
وَإِن خالَها تَخفى عَلى الناسِ تُعلَمِ
ربما سأل أحدهم هذا الوالي عن سبب ما ورد على لسانه؟ ولربما أجاب سائله قائلا إنه قال ذلك من باب المزاح فقط ، وهنا يُذكرنا قوله هذا بأولئك الذين ذكرهم القرآن في سورة التوبة في قوله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.. (66)). ويقول الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ المَالِكي فِي أَحْكَامِ الْقُرْءَانِ: لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ جِدًّا أَوْ هَزْلًا، وَهُوَ كَيْفَمَا كَانَ كُفْرٌ، فَإِنَّ الْهَزْلَ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ ، لَا خُلْفَ فِيهِ (أيْ لَا خِلَافَ فِيهِ) بَيْنَ الْأُمَّةِ.
إن ما قال به هذا الوالي هو ثمرةٌ من ثمراتٍ شجرة خبيثة ، غرسها أولئك النفرُ الذي استولوا على الثورة في بواكيرها ، وأرادوا بها تغيير ما نشأ عليه مجتمعنا من الإسلام ، أوامرَ ونواهيَ وأخلاقًا كريمةً ومُثلا اجتماعية.
ولعل الناس يذكرون أن أول ما وقعت عليه عيونهم في ذلك الوقت المبكر من زوال الإنقاذ ، هو الشعارُ المعروف للتلفزيون القومي وهو(لا إله إلا الله) بتصميمه الفريد، فأرادوا أن يستبدلوا به غيرَه ، شعارًا لا يُذكرهم بالله ، تروق له نفوسهم التي جاءت ثورةً على كل ما جاء من عند الله أوامرَ ونواهيَ ، وكما دلت على ذلك أفعالهم عندما استتب لهم السلطان.
وقيل وقتذاك إن تصميم الشعار البديل طُرح في مسابقة ، وقد كتبتُ مدافعًا عن هذا الشعار أكثر من مقال ، ولما كثر الحديث عنه سُئل وزير الإعلام آنذاك السيد فيصل محمد صالح ، فقال إن الأمر متروك لأهل التلفزيون ، وليته اكتفى بذلك ، بل قال قولة كبيرة وهي : (ليس له عندي قداسة) والقداسة هي التجلةُ والإكبار ، ومنطوق الشعار هو(لا إله إلا الله)!! ومن ذلك قول الملائكة لربهم.. (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ، ولا بد أن غيري دافع عن الشعار، وأن أهل التلفزيون أنفسهم قد دافعوا عنه حتى بقي. ولكن القومَ في ذلك الحين لم يكتفوا ببقائه بل عملوا على إفراغه من محتوى منطوقه، فطفقوا يعقدون تحته مباشرة ندوةَ كل يوم أحد ، يُستضافُ فيها عددٌ من القساوسة ليتحدثوا عن عقيدة الثالوث، وفوقهم الشعار ( لا إله إلا الله) في استفزاز لمشاعر 98 في المئة من المسلمين. بل تجرأ بعضُ المسؤولين في بعض مؤسسات الدولةِ في ذلك الوقت ، على منع رفع الآذان فيها لأنه يزعجهم ويشغلهم عن أعمالهم كما قالوا. ولا ننسى أن ممثلَ حزب الأمة القومي في حكومة حمدوك ، نصر الدين مفرح وزير شؤون الدينة، قد أسكت صوت الآذان بالميكروفون في أحد المساجد ، لأن امرأة مسيحية يقع منزلها بالقرب ذلك المسجد ، قد اشتكت له مما يسببه لها نداءُ التوحيد من إزعاج. وما ذلك كله إلا ثمارُ شجرة خبيثة غرسها مختطفو الثورة في أرض الإسلام ، فلا يُستغرب ما قاله ذلك الوالي من مقته (الله أكبر) فقد مقت (لا إله ألا الله) من قبله خالد عمر المشهور بخالد سلك، المتحدثُ باسم الحرية والتغيير، وهم الذين يجري إعداد المسرح الآن لإعادتهم للحكم على يدي حاكم السودان المنتدب المُطاع فكولر، وقد بشر بذلك خالد عمر وعرمان وأخيرًا محمد الفكي، وسنرى ما تُرفع عنه سترُ الغيب.

أيوب صديق
25 مارس 2023


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى