السياسة السودانية

أسامة عيدروس: مسار الهبباي وزوال الزخم The Momentum Demise

[ad_1]

تصل الحروب في لحظة ما إلى درجة من الفظاعة والجرائم والآلام لمرحلة لا يمكن فيها الحديث إلا عن نهايتها وتوقفها فورا وفي الحال. يصبح أي حديث لتحليل تفاصيلها ومحاولة قراءة مسار أحداثها هو كالسير فوق عظام الجرحى والكتابة بدماء القتلى والشهداء وأوجاع المغتصبات وآلام الأمهات وأنات الأطفال الصامتة وهم يبللون فراش نومهم بالدم رعبا وهلعا، وأقسى ما فيها لحظات انكسار الرجال وانحطاط الآدمية في عيون مرتكبي جرام الحرب.

في الحادي والعشرين من مايو 2023م وقع الجيش السوداني على هدنة لمدة سبعة أيام مع قوات الدعم السريع في منبر جدة. في نفس هذا اليوم كانت قوات الدعم السريع قد وصلت إلى قمة الزخم في حملتها العسكرية للاستيلاء على الحكم في السودان ونفذت في تلك الليلة هجوما متزامنا على القاعدة الجوية في وادي سيدنا وعلى المهندسين في أم درمان وعلى المدرعات في جنوب الخرطوم. وفشل هذا الهجوم المتزامن فشلا ذريعا نسبة لعدم القدرة التنسيق بعد ضرب القيادة والسيطرة للمتمردين مع فقدان الاتصال وصعوبة التنسيق وعدم القدرة على الحشد الكافي لهجوم كان مخطط له أن ينجح في شل قدرة الطيران على تغطية مساحة واسعة واسقاط واحد على الأقل من اهم المعسكرات التي تحدث تغيير نوعي في مسار العمليات العسكرية.

وبعدها بدأت قلعة الرمل للدعم السريع في الانهيار.

رغما عن فقدانها الزخم وفتحها مساحات للحركة للقوات المسلحة للتحرك عبر الاستخبارات وقوات العمليات الخاصة لقيادة عمليات الاستنزاف وكذلك لدخول متحركات اعادت تشوين وإمداد القيادة العامة والمدرعات وسلاح الأسلحة وسلاح الإشارة وهي المعسكرات التي تعرضت أكثر من غيرها لموجات الهجوم المتكرر من المتمردين منذ بداية الحرب.

إلا ان قوات الدعم السريع استطاعت تحقيق نصر نوعي في اسقاطها لمعسكر الاحتياطي المركزي الخرطوم وكشفت بذلك مساحات واسعة من المناطق المدنية في مناطق الكلاكلات وحتى العزوزاب لتكون تحت رحمة جنود الدعم السريع الذين تحولوا للسلب والنهب وترويع المواطنين والهروب بالغنائم بدلا عن استغلال وتطوير النجاح لإسقاط المدرعات. وكذلك نجح الدعم السريع في احداث خسائر بواحد من متحركات الامداد في بحري. غير أن حركة الجيش توسعت في أم درمان بوتيرة متسارعة حتى أصبحت محلية كرري خالية تماما من أي وجود لقوات الدعم السريع كما توسع تأمين معسكر المهندسين لدائرة وصلت إلى محيط الإذاعة في خور أبوعنجة. هذا التسارع في عمليات أم درمان جعل الدعم السريع يقوم ينقل أعداد كبيرة من قواته للهجوم على الاحتياطي المركزي أم درمان باعتباره نقطة رخوة وكذلك ليوقف زحف التقدم نحو تلاقي قوات المهندسين بقوات كرري.

فقدان الزخم ظهر واضحا في هذه العملية التي تم تنفيذها في الرابع من يوليو 2023م، حيث فقد الدعم السريع قوات النخبة التي تم استنزافها بشكل كبير حتى احتاج قادة الدعم الى الاستعواض بالمليشيا القادمة كمشاة دون عربات أو أسلحة لتكملة النقص في أعدادها. وبدا الفرق واضحا حين تحولت معركة الاحتياطي المركزي الى تسليم وتسلم للأسلحة الثقيلة التي يملكها المتمردين كما أصبحت معركة استنزاف كبير لقوات الفزع من مشاة المليشيات.

منذ الرابع من يوليو 2023م تحولت قوات الدعم السريع إلى استراتيجية للدفاع في تراجع أخير لحماية ما تبقى من قلعة الرمل. واعتمدت أساليب الكماين لمتحركات الجيش أو القناصين في العمارات والبيوت أو القصف المنهجي لبيوت المواطنين ومعسكرات الجيش على السواء واستخدام المسيرات البدائية لقصف حتى المستشفيات. وحاولت تجميع أقصى ما تستطيع من قوات الفزع للقيام بعمليات لرفع الروح المعنوية مثل هجومها على سلاح الأسلحة او الذخيرة.

في الواقع تحولت المعركة تماما وبدأ الجيش يتحرك بارتياح في عمليات خاصة في عمق العدو مع استخبارات نشطة تحدد الهداف بدقة. في خلال أقل من شهر كانت خسائر الدعم السريع النوعية فائقة ولا يمكن تعويضها، فقد استهدفت هذه العمليات وبدقة كل الأسلحة النوعية وكل مخازن الذخائر والوقود المتبقية وكل الضباط وضباط الاتصال. لقد نزف الدعم السريع قواه وبدا خائرا غير قادر إلا على انتظار مستشاريه في الخارج ليجدوا له مخرجا من ورطة الحرب في الخرطوم. تحولت قوات النخبة إلى مجرد عصابات تبحث عما تبقى في بيوت الخرطوم من غنائم لنهبها لتهرب بها قبل الانقضاض الأخير للجيش.

بعد زول الزخم تكشف أن الجيش يحكم قبضته على الخرطوم كولاية بمعسكراته التي بنيت في الخرطوم قبل توسعها لتكون مثل جناحي صقر في وضع الانقضاض على فريسته. وفيما عدا خسارة معسكر الاحتياطي المركزي وخسارة معسكر شمبات منذ بداية الحرب والتوسعات في أمبدات والصالحة وجنوب الخرطوم فالخرطوم الولاية التي انتشرت فيها قوات الدعم السريع ظلت تحت سيطرة الجيش طول الوقت دون أن تؤثر كل هذه الهجمات المتكررة في تماسك الجيش أو قدرته على الامداد والاستعداد للانقضاض الأخير.

ورغم كل المغريات عند انحسار وجود الدعم السريع للتوسع وفتح نقاط أو معسكرات جديدة (كتأمين كبري شمبات مثلا) إلا أن الجيش يعلم أن هذه النقاط الجديدة لن تصمد في الدفاع عن نفسها مع استراتيجية الفزع التي يتقن الدعم السريع استغلالها. وتظل الخيارات المثلى للدفاع عن الخرطوم وكسب الحرب (رغم خسارة بعض المعارك) هي العمليات الخاصة المتقنة ليصل الدعم السريع في استنزافه من مرحلة زوال الزخم إلى مرحلة العجز والشلل قبل الانقضاض الأخير عليه في كل المحاور.

أسامة عيدروس
4 أغسطس 2023م

[ad_2]

مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى