السياسة السودانية

أهمية و مكانة جون كونغ نيون في نضالات القوميين الجنوبيين و الحركة الشعبية

[ad_1]

 

 

 

ياسر عرمان

 

“اذا أردت ان تكون قوميا جنوبيا مخلصا فكن جون كونغ نيون”

“بالقدر الذي كان فيه جون كونغ نموذجا صالحا للقوميين الجنوبين فهو بالمثل بطل من أبطال الحركة الشعبية و الجيش الشعبي”.

في يوم الاثنين ٢٦ ديسمبر ٢٠٢٢م و في مستشفي نيروبي العاصمة الكينية رحل الرفيق العزيز و القائد المتفرد جون كونغ  في هدوء لا يماثل حياته الصاخبة المليئة بالمآثر و البذل و التضحيات في صمت كان صنوا له فهو نادرا ما يعلن عن بطولاته، رحل بعيد أجراس عيد الميلاد و التي التقت بروحه و هي تصعد الي السماء عند مليك رحيم مقتدر.

خاض جون كونغ و شهد اهم معارك الجيش الشعبي العسكرية و السياسية طوال سنوات الحرب وهو من جيل المؤسسين و قد انضم للحركة الشعبية عام ١٩٨٣ بعد ان شارك في تمرد ايوت ١٩٨٣ العسكري، وقد كان جون كونغ نقيب في القوات المسلحة السودانية، تم استيعابه من صفوف الانيانيا الاولي، وهو من مواليد جزيرة فنجاك  القديمة و منها اصدقائي الراحلين مرحوم دوت كات و نيون كوج و التي آتي منها احد الخمسة الكبار المؤسسين للحركة و الجيش الشعبي وليم نيون و هم علي الترتيب “جون قرنق و كاربينو كواجن و وليم نيون و سلفا كير و اروك طون” و ينحدر جون كونغ من قبيلة النوير وهنا  استدعي الحديث عن قبيلته لأن موقف جون كونغ من الصراعات القبلية في جنوب السودان امراً رئيسياُ في مساهماته العديدة التي طبعت و شكلت صورة متميزة عنه، فقد اتخذ موفقا ثابتا ضد الصراعات القبلية  ووقف مع وحدة كل الجنوبيين وهنا تكمن أهمية جون كونغ لسنوات طويلة آتية وهو قائد ورائد في نضالات القوميين الجنوبيين ضد التحيزات القبلية التي اقعدت الجنوب و أضرت بوحدته و نضاله و مشروعه في البناء الوطني.ربما جاز القول ان الجنوبيين الذين سقطوا ضحايا الصراعات القبلية هم اكثر عددا من الذين دفعوا الثمن الغالي في سبيل الاعتراف بإنسانيتهم و حقوقهم و حكومات الخرطوم ليست بريئة في ذلك.

في بداية سنوات تأسيس الحركة الشعبية لتحرير السودان و قد شارك فيها جون كونغ بفاعلية و اندلعت معارك مؤلمة بين قوات (انيانيا2) و الجيش الشعبي في شرق أعالى النيل و تحالفت الانيانيا2 لاحقا مع الحكومات في الخرطوم وقد كان ذلك مأزقا و تحديا لجون كونغ و رفاقه من أبناء النوير، و لكن جون كونغ لم يتوانى في الانحياز للحركة دون تردد و كأن ذلك واجبا يوميا لا يجلب العناء، و البطولة الحقيقية لجون كونغ ان موقفه استمر منذ ١٩٨٣ الي ديسمبر ٢٠٢٢، دخل في معارك كبيرة ومعقدة، لم يتراجع وعرف بالثبات كصخر الجبال و شجاعة وسمو موقف جون كونغ الأخلاقي يستحق التحية و التقدير و ان يدرس لطلبة المدارس واجيال الجنوبين الحاضرة و القادمة.

يجلس جون كونغ في قمة هرم نضالات القوميين الجنوبيين الذين سعوا لوحدة الجنوبيين دون البحث عن وتد من أوتاد القبلية حتي اضحي جون كونغ وتدا من اوتاد وحدة الجنوب. ارتبط جزء كبير من تاريخ جون كونغ بغرب الاستوائية حينما ذهب سويا مع جيمس واني ايقا للمرة الأولى في تاريخ الحركة والجيش الشعبي الي غرب الاستوائية.

حفل تاريخ القوميين الجنوبين بقادة كبار رفضوا الانحيازات القبلية نذكر منهم هلري باولو لوقالي و بيتر قاركواتث و لكن تفرد وتميز جون كونغ آتي من ممارسته لتلك الفضيلة في سنوات الحرب القاسية وقد قاتل ببسالة وشهدت حياته اختبارات عظيمة أهمها في قضية معسكر “بوكتنغ” .

التقيته للمرة الأولى في يناير ١٩٨٧ في منزل “امون وانتوك” مسئول معسكر “اتنغ” للاجئين في الحدود الأثيوبية خارجا من هزيمة معسكر بوكتنغ المريرة و الذي استولت عليه قوات انيانيا 2، و حاول البعض ان يصدر اليه بعض الاتهامات.  اطلق عليه الكثيرون لقب ليبفرار و معناها بلغة النوير “انتظر بعيد” لأنه كان يستخدمها كثيرا للجنود و الضباط الذين يأتون لتقديم البلاغات، في ذلك الوقت كان يكثر من تعاطي المشروبات الروحية، و حينما تم تعيينه من قبل جون قرنق نائبا لواني في قيادة غرب الاستوائية اعتقد البعض انه لن يأتي من تلك المهمة ابدا ! ولكن ذلك الإنسان ذو الإرادة الحديدية هجر تعاطي المشروبات الروحية و عمل علي انجاح مهمته و عاد بعد ان أكملها علي اكمل وجه و في ذلك درس مفيد.

 

اعتقد ان خروج وليم نيون من الحركة و الجيش الشعبي وهو احد أعمدتها و يأتي من نفس منطقة جون كونغ و تربطه علاقات وثيقة به ازدادت متانة في الانيانيا الأولى و القوات المسلحة و قد تميز الضباط القادمين من القوات المسلحة في داخل الجيش الشعبي بصلات وثيقة مع بعضهم البعض، وشكل خروج وليم نيون بكل تلك المعاني تحديا لجون كونغ و لكنه نجح في هذا الاختبار الصعب مرة اخري كوجبة عادية من وجبات وواجبات الحياة.

 

كنا في “فقيري” في شرق الاستوائية بالقرب من الحدود اليوغندية كان وليم نيون القائد المتمرس و الشجاع و ذو التاريخ الطويل في الحركة و الجيش الشعبي و ذو السند القوي من ابناء النوير و الغير مضمون المواقف كان علي وشك التمرد، انخرط كثيرون في الحوارات معه لاثنائه عن التمرد ومنهموون كونغ وكان وليم يجري اتصالات مع جهات عديدة تحثه علي التمرد عبر جهاز ارسال طويل المدي و اشترك جون كونغ في محاولات إقناعه بحكم صلاته متعددة الجوانب معه، تمسك وليم بموقفه و تمرد وكنا قادمين من رئاسة جون قرنق في طريقنا الي سوق “فقيري” التقينا بجون كونغ في الطريق وهو ذاهب مع حراسه الي غرب الاستوائية في عربة لاندكروزر مكشوفة بعد فشل مهمته مع وليم، توقف و تبادل السلام و التحايا معنا وحكي لنا ما جري، وان وليم قد كلف حراسه بأخذ جون كونغ بالقوة معه فخرج كأنه يريد ان يقضي غرضا و شق طريقه عبر السور المبني من القش والقصب، و ترك رئاسة وليم الذي ذهب في طريق “مقوي” لقد كان ذلك وقتا عصيبا لجون كونغ تعامل معه علي طريقته كامرا عاديا و يوميا تماما.

 

جون كونغ تحصل علي اعلي الرتب في الجيش و اصبح وزيرا للدفاع و حاكما لولاية جونقلي و عضوا بالمكتب السياسي لقد كان متواضعا لم يهتم ببهرج السلطة و زخارفها و زعانفها.

أهمية جون كونغ تكمن في موقفه الصلب برفضه لاستخدام القبلية في العمل السياسي و عدم رغبته في الانحياز للمكونات الأولية و الابتدائية علي حساب القيم الكبري و وحدة الجنوبيين و لقد جسدت حياته معني وحدة الجنوبيين و نبل فكرة جمع الناس وهو أمر كم تحتاجه دولتي السودان.

جون كونغ حظي باحترام الجميع و جسدت حياته أمكانية الوحدة في التنوع و تعزيز النسيج الاجتماعي و ترك الانحيازات الضيقة وهو بذلك يستحق الاحتفاء من الكافة و سيما من زملائه القدامي و لكم احزنني رحيله وهذه المقالة تعلن عن محبتي له و النموذج الذي شكله طوال مسيرته و نحن ضيوف في هذا الكون و الحياة و يبقي ما نتركه للآخرين من بعدنا و علي القوميين في كافة أرجاء السودان جنوبا و شمالا ان يأخذوا الحكمة من جون كونغ اذا اختاروا الانتماء لأقاليمهم المتنوعة كتنوع السودانيين كليهما.

في أديس أبابا و في فندق راديسون بلو و قد كان جون كونغ وزيرا للدفاع دعانا في غرفته مالك عقار و عبدالعزيز الحلو و فاقان اموم و شخصي في تلك الأمسية المفعمة بالمشاعر النبيلة  طرح رؤية واضحة للعلاقات بين الجنوب و الشمال و بين الحركة الشعبية في الجنوب والشمال و طرح  سؤال مفتاحي ادهشني هل انفصال الجنوب هو نهاية علاقة ام بداية علاقة علي طريقة وأسس جديدة ؟ في تلك الأمسية أشار الي شول لام بان ينتظر في الخارج قائلا بلغة النوير ليبفرار يا شول – شول ليبفرار فضحكنا مطولا و سألته لماذا اطلق عليه اسم ليبفرار و لا تزال ضحكاته ترن في آذاننا، ولا تزال رحلته ملهمة و أخلاصه مؤثر و النموذج الذي جسده مهما للقوميين في دولتي السودان.

العزاء لأسرته ولشعب جنوب السودان و لرفاقه و لحكومة و قيادة دولة الجنوب و المجد لله في الاعالي و علي الارض السلام وبالناس المسرة.

 

 

[ad_2]

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى