المغنون في زمن الحرب..إيانا يستبصرون؟
[ad_1]
صلاح شعيب
بعض المغنين دخلوا ساحة الحرب لتأجيجها انحيازاً لطرف، ولكن هل دعوة الفن – أصلاً – للسلام أم للحرب، خصوصاً التى تأخذ صبغة أهلية أكثر من كونها حرباً يقودها جيش الوطن ضد عدو خارجي؟. فما نعرفه أن الطرفين المتقاتلين كانا رتقاً يوم أهوال دارفور، وبقية مناطق النزاع، وفض الاعتصام، فانفتقا.
الحقيقة الأخرى أن هناك مبدعين غير مغنين مؤيدين لاستمرار الحرب، والوقوف مع الجيش، لمبررات شتى. ولكنهم لم يتقدموا خطوة لكتابة أشعار، أو تلحين بعض منها، ومن ثم تجرى المعاني في صوت المغنين. آخر هذا النوع من الدعم المعنوي شاهدناه في حرب الفشقة أثناء فترة حمدوك. وقد استنكر كثيرون أن يروا شرحبيل، والهادي الجبل، وعبد القادر سالم، وسيف الجامعة، على الأقل مثالاً، ًوهم يرتدون الكاكي، ويغنون ضمن الكورال الذي وجد التحفيز. وللتذكير وجدنا أن بعضاً من هؤلاء الفنانين ضمهم – بحسن نية ربما – كورال قبل تحرير هجليج في فترة المخلوع البشير لمناصرته، أو مناصرة الجيش.
والآن يبدو بين الفينة والأخرى استنكار جديد لدعم مغنين بعينهم أرادوا دعم الحيش. ولكن إجمالاً وجدنا معظم المبدعين المؤيدين للجيش مكتفين بالبقاء صامتين فنياً دون دعم طرفهم في الحرب. ومبرراتهم هنا أيضاً شتى، أما البقية من المبدعين فالتزموا موقفا ضد الحرب، وفريقيها. ومن بين الأقوى من تبريراتهم التي قرأناها أن الطرفين المتقاتلين مثل الصدفة، والمحار، أي هما باختصار: “طرة..وكتابة”، وبالكثير هما أحمد، وحاج أحمد، بالنظر لتاريخهما المشترك في تقنين الاستبداد من جهة، وحمايته من جهة أخرى.
فهؤلاء المبدعون التي يصدرون من موقع الاستنارة يرون الجيش والدعم السريع كعنصرين لعرقلة خيارات ثورة ديسمبر، وأن الحرب نفسها مرحلة لتطويق أهداف الثورة، وتفجيرها بما يغير مسارها، ويذهب بريحها. ذلك حتى تكون هناك معطيات جديدة في المشهد السياسي خلاطة للأوراق، وبالتالي تنبني توازنات جديدة تبقي على واقع السودان قائماً كما بدا أول مرة بعد الاستقلال: فئة استبدادية ضد أخرى تناصر الديمقراطية، أو فئة انتهازية تتلبسها لبوسات طبقية إزاء فئة تنادي بدولة مواطنة، وهي تحلم بشعار حرية، سلام وعدالة.
السؤال الأساسي: هل لدى المبدع – بالضرورة – الوعي الكافي الذي يساعده في عدم التورط في دعم الحرب التي تندلع وسط أفراد مكون عسكري افترقوا لجملة معطيات وجودية، بل هل كانت مواقف مبدعينا عظيمة في ما يتعلق بعدم التورط ضد حروب الدولة التاريخية في مناطق النزاع: الجنوب سابقا، ودارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق؟
أزعم أن الإجابات تتفاوت بتفاوت مواقف الناظرين للحرب وفق قراءات جهوية، أو مناطقية، أو أيديولوجية، أو دينية، أو طبقية. وهذه القراءات هي بشكل، أو آخر، متورطة تاريخياً في الوصول بالبلد إلى هذا الاحتراب الدامي.
لن يجيب على هذا السؤال بصدق سوى المبدع – أو المفكر – الذي يلجم نفسه بشراسة، وينطلق من وعي عابر لانتماءاته الأولية، ومن ثم يقول بالحقيقة الموضوعية التي تنطلق من أرضية المعرفة الشاملة.
للأسف – وهذه حقيقة أخرى – أننا شاهدنا مبدعين يغنون للأنظمة، ويدعمونها في السلم، وأثناء الحرب. ولكن السياسيين الذين تحاربوا بغتةً عادوا لاقتسام السلطة، وصاروا حلفاء في الدولة، والأمثلة كثيرة للمستنير. وما يخشاه المرء هو أن يتصالح الطرفين المتحاربين الآن تحت ضغط الحرب والمجتمعين الإقليمي، والدولي، وعندئذ يكون المبدع قد بلع الحصرم، برغم أن خيار إيقاف الحرب هدف أهل الوعي.
فالسياسة العملية ليست هي الإبداع المعني، ولذلك في ما خص الحروب ذات الصبغة الأهلية – كما أشرنا عاليه – وجدنا بالتجربة أن المبدعين الناقدين لهذا النوع من الحرب قلة لا تسير مع الموجة السياسية أنى سارت، وبالتالي هم أدعى لتمثل موقف محمد على كلاي ضد حرب فيتنام، رغما عن أنها كانت حرباً ضد دولة، وليست ضد الأقلية السوداء. وقد خُون كلاي، وأدخل السجن، وأوقف من مزاولة الملاكمة. ولكن انتصر لضميره، وبانت صحة موقفه بأن حرب السلطة إنما هي ضد الإنسان عموماً، مهما تدثرت بالمعاني الوطنية.
لا يكتمل إبداع المبدع إن لم يمتلك الوعي الشامل بطبيعة السلطة الوطنية التي كثيراً ما تستخدم العنف كوسيلة لعجزها في التفكير بموضوعية. والحرب الحادثة في بلادنا الآن هي بامتياز عجز الدولة في الحفاظ على مصالحها الطبقية، ولذلك أنصح المغنين، والشعراء، والملحنين، والمسرحيين – لوجه الله – أن ينظروا لعنف الدولة وفقاً لهذه الحقيقة، وإلا فكل بني آدم حر في مواقفه، وتبريرها بالمعرفة، أو الجهل. أحدهم قال مرة إنه في السياسة أحذر مواقف المغنين، والرياضيين، والدبلوماسيين، تجاه السلطة. صدقته، ولكن ليس كلهم، وإنما أغلبهم.
لا للحرب
المصدر