السياسة السودانية

ثورة البنات قادمة – سودان تربيون

[ad_1]

الجميل الفاضل

في يوم المرأة العالمي أقول: إن أكبر مستحيل صار ممكنا، بل وواقعا في ثورة ديسمبر المجيدة التي تدخل الآن عامها الخامس، هو أنها “ثورة بنات” مثّلنَ فيها الحدث الأطرف، والعنوان الأبرز بامتياز، علي خلاف ما جري عليه الحال والعادة، في ثورتي “أكتوبر وأبريل” المؤودتين.

إذ ليس صدفة أن بسالة وصمود ثائرات ديسمبر قد أخرس السن المتنطعين بفقه لا يري المرأة سوي من ثقب باب ضيق، إنها “عورة”، وأنها لا تصلح بالتالي لأن تقود، او أن تكون “ثورة”.

لم يك احد يصدق حينها، أن زرقاء “الأحفاد” المتشوفة بيقين صادق، والثورة في مهدها أنها تعني تماما ما كانت تقول وهي تصدح “يا بنات أبقن ثبات، ثورتنا دي ثورة بنات”.

لقد أشفقت حقا علي كواهلهن من باب الرفق بالقوارير، من وطأة ما طرح عليهن، من لقب ملوكي تاريخي ثقيل الوزن، تعاملن معه بشرف مستحق، ونلنه عن جدارة.. رغم أنه لقب مقدس خرج إليهن من عمق سحيق يقدر بآلاف السنين، لقب “الكنداكة” ذلك الحافل بالأمجاد، والرمزيات، والدلالات، والمحمولات.

المهم فإن “ديسمبر” ليست ثورة واحدة، مثلها مثل “أكتوبر وأبريل”، بل هي في الحقيقة ثورة مركبة بجوفها عدة ثورات، من بينها ما أسمينه البنات: “ثورة بنات”.

يقيني إن طورا من هذه الثورة سيقدنه البنات في قادم الأيام لا محالة، سيقدنه قيادة مطلقة لا شية فيها، فالبنات “الغاضبات” اللواتي أبين إلا أن يزاحمن بالمناكب والأقدام، “ملوك الاشتباك” من الفتيان، في تصدر المواكب ومقدماتها، وفي قطف قنابل الغاز بأناملهن الرقيقة كالورود، وفي ردها كأمانة إلى أهلها بأسرع ما يكون، وبأقصى مدى يطاله الرماة.

لقد أذهل رميهن شاعر ثوري وصاف قال في حقهن:

“معنا الآن سرب النساء البواسل

سرب البنات الأمازون إذ يتلقفن قنبلة الغاز طازجة

ثم يبعثنها وهي ملفوفة في الدخان لمن أرسلوها”.

هو يقين ربما يعززه ما أكدته نتائج الأبحاث التي أجراها عالم الوراثة الإيطالي البروفيسور لويجي لوكا كافللي، والتي ضمنها كتاباً أسماه (في الشتات: تاريخ التنوع الوراثي، والهجرات البشرية الكبري) قال فيه: “ثبت أن 90% من النساء السودانيات يحملن جينات متصلة دون انقطاع منذ مائة ألف عام”.

ولهذا فإن “ديسمبر” ثورة لن تموت، لأن ديدنها أن تمضي علي طريقة سباقات التتابع، فقد قادها المهنيون من أماكن العمل، إلى أن بلغوا بها محطة اعتصام القيادة، وإلى أن قلبوا الطاولة علي كافة الرؤوس، في اليوم المشهود 30 يونيو 2019.

وتقودها اليوم كذا لجان المقاومة من الأحياء، في عسر ومشقة، يفسرها علم الفيزياء علي قاعدة تقول: إن المقاومة تساوي النسبة بين فرق الجهد وشدة التيار، إذ أن مقاومة أي جسم تقاس بمقدار ما يسمح به من سريان للتيار المار به أو عبره.

ويسر بعد عسر كان ولا يزال، إلى أن يأتي كسحائب الغمام التي ستظلل عروش “الكنداكات”، فننتصر بهن كرأس رمح علي استبداد الطغاة، كما انتصرت جدتهن الكنداكة “أماني ريناس” علي جيوش الأباطرة الغزاة.

أكاد أجزم الآن أن السودان قد أضحى بؤرة ومركزا لزلزال ثوري كوني واسع النطاق والمدى.

وأن من هذا المركز ذاته فإن ثورة للنساء خاصة قادمة علي طريقتهن، لكي تسفه أحلام العودة للعمل بأي قانون يشبه قانون النظام العام تحت اي مسمي جاء، ولصور تشابه صور كابوس جلد “فتاة الكبجاب” وغيرها من جديد.

فالمرأة عموما يتصور معتنقو عقائد “الإسلام السياسي” في مشارق الأرض ومغاربها، أنها أقصر حائط يمكن تسوره تقربا لله، هذا يحدث اليوم من طهران إلى كابول، لقد ظن هؤلاء الأدعياء أن اقصر طريق لإبراز عضلات ما يتوهمون انه الدين، لابد أن يمر اول مايمر علي أجساد النساء، من اعلي رؤوسهن، إلى أخمص اقدامهن.

لكن هيهات.. فإيران اليوم لا يمكن ان تعود  الي ما قبل عصر “مهسا اميني” الفتاة الكردية التي أشعلت وفاتها خلال احتجاز صنو “النظام العام” في السودان، شرطة “الآداب الإيرانية” لها في سبتمبر الماضي، موجة من احتجاجات لعبت فيها النساء الإيرانيات أدوارا قيادية، إلى أن صار شعارها الرئيسي “المرأة، الحياة، الحرية”.

وفي كابول حظرت حركة “طالبان” الإسلاموية التعليم الجامعي للفتيات، فضلا عن طرد النساء من المعاهد والمكتبات، وحرمانهن من العمل بالمنظمات.

المهم فالإسلام السياسي ملة واحدة، ملة لا تأبه ولا تكترث في اي زمان ومكان، لأقوال وأفعال رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، الذي وصف النساء بأنهن شقائق الرجال، وأن ما اهانهن إلا لئيم، وما أكرمهن إلا كريم، ممارسات من يحكمون باسم الدين ما هي في الحقيقة سوي تجسيد حي لخطاب حركات الإسلام السياسي المستريب دوما في المرأة، وفي حقوقها، وفي أدوارها داخل المجتمع.

وبكل أسف فإن الحُكم في سودان ما بعد الاستعراب صار شأناً ذكورياً محضاً، لا يجوز ولا ينبغي للنساء أن يحدّثن أنفسهن بتسنّم شُمِ ذراه، أو باعتلاء مراكز قراره، خاصة المُتصّل منها بأمانِ الناس من خوف، وبجدارة إطعامهم من جوع.

فذكور الساسة في السودان على رعونتهم وطيشهم، واستبدادهم وفسادهم، بل وتاريخ سفكهم الدماء، وضآلة وبؤس كسبهم لبلادِهم على طريق التطوّر والنماء، لا زالوا يتوهَّمون في أنفسهم حكمةً وقدرةً على الحكم والإدارة لا تتوفّر لدى النساء.

رغم أن لنساء السودان تاريخاً في الحُكم ضارب بجذوره في القِدَم.. وكما هو معلوم فإن ملكات مملكة مروي كان يطلق عليهن لقب “كنداكة” ذات هذا اللقب الذي أعاده إلى الحياة والوجود مُجدّداً دور المرأة السودانية المشهود في ثورة ديسمبر المجيدة.

فقد جاء بسِفر (أعمالِ الرسل) الإصحاح الثامن:

“وإذ برجل من إثيوبيا، كان وزيراً ببلاط الملكة كنداكة، والمؤتمن على جميع خزائنها”.

والثابت من ذِكر الملكة كنداكة أن المقصود بأثيوبيا هنا هو السودان الحالي.

ويشرح الأب “فانتيني” الإيطالي هذا النص الذي وردت فيها كلمة الحبشة، بقوله:” القنداقة ملكة الحبش، هي ملكة مروي كبوشية، لأن هنالك عدداً من الوثائق تؤكد أن هذا اللقب يختص بملكة مروي كبوشية”.

المُهم فإن ازدراء الرجال اليوم بحكم النساء عموماً، لن يمحو على أية حال تاريخاً تليداً لنساء هذه البلاد في الحُكم امتد لآلافِ السنين وثّق له مؤرخون أفذاذ، وأشارت إليه كُتب مقدسة قديمة في معرض تمجيدها لعظمة شعب كوش، الذي أتسم بظاهرة حكم النساء دون سائر الشعوب في ذلك العصر.

[ad_2]

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى