الرياضة العالمية

هل تفعلها التونسية أُنس جابر وتصبح أول عربية وأفريقية تفوز بكأس أمريكا المفتوحة للتنس؟


تشهد السبت ملاعب بطولة الولايات المتحدة المفتوحة في كرة المضرب، إحدى بطولات الغراند سلام الأربع الكبرى، نهائيًا مثيرًا بين التونسية أنس جابر (28 عاما) المصنفة الخامسة عالمياً، وأول عربية وأفريقية في التاريخ تصل لنهائي الفلاشينغ ميدوز، والبولندية إيغا شفيونتيك (21 عاما) المصنفة الأولى عالميًا. تميزت مسيرة جابر الاحترافية بإنجازات كبيرة تحققت في وقت قصير، قرابة العامين، لكنها تظل ثمرة مجهود مضنٍ دام سنوات طوال كانت فيها خير ممثل للعرب وأفريقيا. فهل تعوض خسارتها لنهائي ويمبلدون هذا العام؟

ستكون المباراة النهائية لبطولة الولايات المتحدة المفتوحة في كرة المضرب بين البولندية إيغا شفيونتيك والتونسية أنس جابر، المصنفتين أولى وخامسة عالمياً توالياً، مسك ختام موسم الغراند سلام 2022 في مواجهة بين أنجح لاعبتين هذا العام. 

قد تكون هذه المواجهة بين البولندية البالغة من العمر 21 عاماً والتونسية صاحبة 28 عاماً واللتين ستلعبان ثاني نهائي كبيرًا لهما هذا العام، ربما أيضًا بداية الاستقرار في صدارة التصنيف العالمي، بعد عشرة أيام من اعتزال الملكة الأمريكية سيرينا وليامس وثمانية أشهر بعد اعتزال الأسترالية آشلي بارتي التي بدت قادرة على فرض هيمنتها على منافسات السيدات.

للمزيد: التونسية أنس جابر أول عربية تبلغ نصف نهائي بطولة الولايات المتحدة المفتوحة للتنس

وحدهما شفيونتيك وجابر تركتا بصماتهما هذا الموسم حتى أيلول/سبتمبر الحالي، باحتلالهما المركزين الأول والثاني توالياً في التصنيف المؤهل إلى بطولة “دبليو تي ايه” الختامية، وهو التصنيف الذي يأخذ في الاعتبار النقاط التي تجمعها اللاعبات في العام الواحد وليس مع نقاط الأعوام السابقة التي يبنى على أساسها التصنيف العالمي لرابطة اللاعبات المحترفات.

وعلقت شفيونتيك التي ضمنت بقاءها على قمة التصنيف العالمي كيفما كانت نتيجة المباراة النهائية، على مواجهة التونسية قائلة “جابر تحتل المركز الثاني في سباق البطولة الختامية، ويظهر مدى تقدمها”. لكنها ستكون مُطاردة للمرة الأولى من جابر في التصنيف العالمي الذي سينشر الإثنين المقبل.

تغريدة أنس جابر بعد الفوز والتأهل لنهائي الفلاشينغ ميدوز


وأخيرًا النهائي… أراكم غدًا !

“لا تُهزم أبدا في النهائي”

في المقابل، ذكَّرت جابر أن “إيغا لم تخسر أبدًا في النهائي”، في إشارة إلى المباراتين النهائيتين اللتين لعبتهما البولندية في البطولات الأربع الكبرى وتوجت بلقبيها في رولان غاروس عامي 2020 و2022.

وقالت التونسية بعد فوزها على الفرنسية كارولين غارسيا 6-1 و6-3 في نصف النهائي “إنها تلعب بشكل رائع، لكنني بالتأكيد أريد الثأر منها”، في إشارة إلى خسارتها أمامها في المباراة النهائية لدورة روما على الملاعب الترابية هذا الصيف 2-6 و2-6.

مواجهة روما كانت الرابعة بين اللاعبتين بعد الأولى في دور الـ32 لدورة واشنطن عام 2019 والتي حسمتها البولندية في صالحها أيضا 4-6 و6-4 و6-4، قبل أن ترد التونسية بفوزين عام 2021 في دور الـ16 لبطولة ويمبلدون 5-7 و6-1 و6-1، ودور الـ32 لدورة سينسيناتي الأمريكية 6-3 و6-3.

وأضافت جابر التي تطمح لأن تصبح أول لاعبة أفريقية وعربية تحرز لقباً كبيراً: “أحب أن ألعب على الملاعب الصلبة، وأعتقد أنني أعرف بالضبط ما يجب أن أفعله ضدها”.

وتابعت بعد وصولها إلى ثاني نهائي غراند سلام في مسيرتها “حقيقة إعلاني صراحة عن أهدافي ساهم بالتأكيد في تحقيق نتائجي. قلت إنني أريد الوصول إلى المراكز الخمسة الأولى، ونجحت في ذلك، والتأهل إلى البطولة الختامية في نهاية العام، ونجحت أيضاً في ذلك، والفوز ببطولة غراند سلام، آمل أن يتم ذلك قريباً”.

وأوضحت جابر، التي أصيبت بخيبة أمل كبيرة عقب خسارتها نهائي ويمبلدون، بشأن النهائي المقبل، أنها “إيجابية جداً” هذه المرة. وقالت “أهم شيء هو عدم الشعور بأي ندم. لذا سأبذل كل ما في وسعي في هذا النهائي. وحتى لو لم أفز هذه المرة، فأنا متأكدة من أن ذلك سيحدث”.

أنس جابر تشكر الجماهير في مباراة نصف النهائي من بطولة الولايات المتحدة المفتوحة للتنس 2022


مسيرة زاخرة بالألقاب والإنجازات

تدرّبت أنس جابر في ملاعب الفنادق خلال طفولتها، ثم مع الفتيان، قبل أن تحطّم الحواجز وتقف على بعد خطوة تاريخية السبت في فلاشينغ ميدوز الأمريكية، حيث تسعى أن تصبح أول لاعبة أفريقية وعربية تحرز لقب بطولة كبرى في كرة المضرب.

إنجاز تلو الآخر، فهي أوّل لاعبة عربية تصل ربع نهائي بطولة كبرى في أستراليا 2020، أول عربية متوّجة بدورة احترافية في برمنغهام 2021، الأولى عربياً بين العشرة الاوائل في التصنيف العالمي وصولاً إلى الوصافة، وأوّل متوّجة بلقب إحدى دورات الألف في مدريد في أيار/مايو الماضي، قبل إنجازها في ويمبلدون في تموز/يوليو الماضي عندما خسرت النهائي، ثم فلاشينغ ميدوز راهناً عندما تلاقي البولندية الأولى عالمياً إيغا شفيونتيك في النهائي.

يذكر أن الجنوب أفريقيات أيرين باودر بيكوك (فرنسا 1927)، رينيه شورمان (أستراليا 1959) وسارة رينولدز (ويمبلدون 1960)، هن الوحيدات من أفريقيا من بلغن نهائي البطولات الأربع الكبرى، في حقبة الهواة التي باتت احترافية في العام 1968.

تسلقت جابر المصنفة خامسة عالمياً القمة بسرعة في غضون عامين، وتبقى فخورة بتونس، وطنها وبلد نشأتها “حيث تدرّبت بين الثالثة والسادسة عشرة أو السابعة عشرة”.

وفي مبادرة منها قامت خلال شهر تمّوز/يوليو 2021، ببيع مضربيها في المزاد العلني لشراء معدات طبية ومساعدة المستشفيات في بلادها التي شهدت موجة “تسونامي” من جائحة كوفيد-19، وساهمت بترميم وإعادة تهيئة مدارس ومعاهد في محافظات مهمّشة في شمال غرب تونس.

يُعرف عنها جرأة وصرامة في اللعب، ولا تتردّد في أن تتوقف لتطلب من أحد المشجعين التزام الصمت لتتمكن من التركيز. وصمّمت شركة المستلزمات الرياضية “لوتو” قميصا خاصا بها كُتب عليه “يلّا حبيبي”، في اشارة إلى أن اللاعبة “مصدر إلهام للآخرين”.

مرحة وتسعى دائما إلى التعليق بطريقتها الخاصة، حيث تملك جرأة لطلب الاستماع إلى إيقاعات وأغان تونسية بعد كل مباراة انتصرت فيها خلال دورة برلين التي أحرزت لقبها هذه السنة. وتفاعل معها المسؤول عن التنشيط في الملعب وبث لها خصيصا مقطعا من أغنية لفنان الراب التونسي “بلطي”.

كثيرة النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي، وتنشر مقاطع فيديو وصورا لجزء من حياتها العائلية الخاصة مع زوجها المعد البدني كريم كمّون وكذلك باحتفالها بانتصاراتها بعد كل دورة.

الوالدة الملهمة

وُلدت أنس أو “وزيرة السعادة” كما يلقّبها التونسيون، في مدينة قصر هلال الساحلية (شرق)، في 28 آب/أغسطس 1994، في عائلة تتكوّن من شابين وفتاتين هي أصغرهم.

عن الدور الكبير الذي لعبته والدتها سميرة في إطلاق مسيرتها، تقول “والدتي كانت ملهمتي. هي عاشقة كبيرة للتنس وأخذتني إلى ناد للتنس عندما كنت بعمر الثالثة. كانت تمارس اللعبة مع أصدقائها وأقوم أنا بالتعليق”. تابعت “كنت أمضي كل النهار سعيدة في نادي التنس لدرجة أنني كنت أنسى تناول الطعام”. قالت لوالدتها “يوما ما سأجعلك تشربين القهوة في رولان غاروس”.

كانت بداية أنس في محافظة سوسة الساحلية شرق البلاد، في ملاعب فنادق في المنطقة السياحية، ثم انتقلت إلى ملعب “نادي حمّام سوسة” في ذات المحافظة، “بدأت في ناد صغير في بلدتي في المنستير ثم انتقلنا إلى حمام سوسة (شرق). لعبت هناك في الفنادق لعدم تواجد أندية كرة مضرب”.

وأردفت جابر التي بدأت خطواتها الأولى بمركز النهوض بلعبة كرة المضرب في المدرسة مع مدربها آنذاك نبيل مليكة، إنه “بعد خوض دورات محلية وتحقيق نتائج جيدة، خضت أول دورة دولية في باريس عندما كنت بعمر العاشرة. بعمر الثالثة عشرة ذهبت إلى تونس العاصمة للتدرب والدراسة في الوقت عينه”. مدرّبها مليكة الذي رافقها طوال عشر سنوات، اكتشف موهبة فريدة بشخصية “تحاول أن تكون المتميزة” على بقية رفاقها من البنات والأولاد كذلك.

كرة اليد وكرة القدم

يشرح مليكة الذي رافقها حتى بلوغها الثالثة عشرة “كانت لها قدرات تحكم كبيرة في الكرة، حتى إن مدربين آخرين حاولوا استقطابها لكرة اليد، وفعلا فكّرت أنس بجدية في تغيير اختصاصها لكنها تمسّكت ببقائها في رياضة التنس”.

يقول زميلها السابق عمر العبيدي من أمام ملعب للتنس يحمل اسمها تكريما لها في “نادي حمّام سوسة”، حيث أمسكت البطلة المضرب لأوّل مرة “أتذكر أننا كنا نلقبها روجيه فيدرر” نسبة إلى أسطورة التنس السويسري. تابع “واجهتها خلال التمارين، فرمت كرة ساقطة حاولت اللحاق بها لكني سقطت وكُسرت يدي”. منذ ذلك التاريخ “تلقبني بالخبيزة (باللهجة التونسية تعني المغلوب)”.

انتقلت إلى المعهد الرياضي بالمنزه (حكومي يضم نخبة الرياضيين) لتبدأ مشواراً جديدا في “مدرسة رياضة متخصّصة للأاطفال الموهوبين وساعدني هذا الأمر للتدرب أكثر والتطور”.

أوّل نجاح دولي لجابر كان في بطولة الناشئات في رولان غاروس، عندما أحرزت اللقب، حيث تقول “توجت في 2011 برولان غاروس للناشئات بعمر السادسة عشرة لكني عانيت كثيرا للانتقال من فئة الناشئات إلى دورات المحترفات”.

عاشقة كرة القدم وناديي النجم الساحلي التونسي وريال مدريد الإسباني، قال عنها مدربها السابق الفرنسي برتران بيريه عام 2020 “لو كان بمقدورها استبدال تمارين التنس بكرة القدم ستكون الأكثر سعادة”.

صناعة الفرجة

بدأت تشدّ الأنظار نحوها خلال بطولة أستراليا المفتوحة في العام 2020 (78 عالمياً) وكانت أوّل لاعبة عربية تتأهل لربع النهائي في بطولة “غراند سلام”.

وفي حزيران/يونيو 2021 (24 عالمياً)، فازت بدورة برمنغهام لتكون تبعاً لذلك أوّل لاعبة مغاربية تحقق هذا الإنجاز.

قدمت هذا الموسم مستويات مميزة، محرزة لقب دورة الألف في مدريد على ملاعب ترابية، ووصلت إلى نهائي دورة روما الألف أيضاً، حيث خسرت أمام شفيونتيك الأولى عالمياً، كما أنها رفعت كأس دورة برلين (500) على الملاعب العشبية حيث حققت انجازاً رائعاً ببلوغ نهائي ويمبلدون وخسرت أمام الكازاخستانية إيلينا ريباكينا.

كشفت خلال مشاركتها في ويمبلدون أن التتويج هناك لم يكن حلمها، “لن أكذب عليكم، الفوز في ويمبلدون لم يكن حلم طفولتي. كان حلمي دوماً الفوز في بطولة فرنسا المفتوحة (على أرض ترابية في رولان غاروس)”.

يبلغ طولها 1,67 مترًا وترتكز في لعبها على يدها اليمنى. هي متزوجة منذ عام 2015 من لاعب المبارزة السابق ومعدها البدني حالياً كريم كمّون ويدرّبها اللاعب السابق عصام جلالي.

يُعرف عن أنس أن لديها أسلوب لعب خاص في طريقة التعامل مع منافساتها خلال المباراة، وتبحث عن تقديم العروض الجميلة “هي تكره اللعب بنسق واحد، تبحث دائما على خلق الفرجة بتنويع اللعب بضربات تفاجئ بها الخصم، وخصوصا منها عبر الكرات الساقطة”، حسب مليكة الذي يؤكد أنها “فعلا ملكة (الدروب شوت) منذ زمن”.

لم تتغيّر أنس كثيرا “مرحة وتتأقلم بسرعة حتى مع من لا تعرفهم” مثلما كانت من قبل “مستفزة وتجادل في كل المواضيع بمنافسة كبيرة”. لكنها في المقابل “محاربة وتلعب لآخر لحظة وصعبة المراس، حتى إنها تواصل اللعب وهي مصابة”، حسب العبيدي.

فرانس24/أ ف ب




المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى