السياسة السودانية

نظرية عامة عن الحرب السودانية لن تسر المثقفين

[ad_1]

هناك انحياز معرفي في العلوم الاجتماعية والإنسانيات ناتج عن رغبة عميقة في عقلنة الظواهر وإرساء أسس منطقية تفسرها. ربما يكون في هذا جزئيًا إعادة إنتاج للمفهوم الهيغلي القائل بأن “الواقعي عقلاني”.

وفي هذا السياق توصل المثقفون السودانيون والأجانب إلى توافق سخيف وسطحي على أن الحروب الأهلية السودانية سببها الظلم في توزيع الثروة حيث يحتكر مركز متحيز عنصريا الثروة والسلطة ويستغل الآخرين.

هذه القراءة خاطئة أو على الأقل اختزالية لأنه في كل بلد من دول العالم توجد مراكز جغرافية مهيمنة ترتكز قوتها على اعتبارات مختلفة، أهمها التاريخ والجغرافيا الاقتصادية ، أي اقتصاديات التوزيع الجغرافي للنشاط الاقتصادي.

أضف إلى ذلك أن الوسط السوداني به هوامش مؤلفة من فقراء من جميع القبائل، بما في ذلك الأعراق المهيمنة، وأن الهامش يضم مراكز مكونة من أثرياء وأقوياء يشكلون جزءًا من نظام السلطة. وان صفوة غرب السودان لم تكن بعيدة عن دوائر الحكم في الخرطوم طوال تاريخ السودان وان مناصرة الكثير من أبناء دارفور للحركة الاسلامية لعب دورا مفصليا في نجاحاتها حتى يوم الانقلاب الاخواني في نهاية ثمانينات القرن الماضي.

لا شك أن الدولة السودانية مليئة بالتناقضات الاجتماعية والاقتصادية والعرقية والدينية القابلة للانفجار، لكن هذه التناقضات موجودة في كل دول العالم تقريبا لكنها لا تؤدي إلى حروب أهلية مزمنة.

فكيف تحدث حروب السودان ولماذا يقرر رجل سوداني رفع البندقية؟ للإجابة على السؤال، ابدأ بتقسيم المقاتلين إلى قادة ذوي امتياز وجنود ذوي مكانة متدنية يقومون بالقتال. يختار القادة الانضمام إلى القتال لأنه أفضل وظيفة متاحة، والحرب تجعلهم أغنياء وأقوياء ومهمين. الحافز واضح بالنسبة لهم: كونك قائد ميليشيا هو أكثر ربحية من أن تكون موظفًا حكوميًا أو موظفًا في القطاع الخاص. في الواقع لا توجد مقارنة بين مزايا الحالتين.

أما بالنسبة للجنود البسطاء، في أي من الميليشيات أو ما يسمى بحركات التحرير ، فإنهم ينضمون ببساطة لأنهم لا يستطيعون العثور على عمل في أي مكان آخر ، والحركة المسلحة هي الكيان الوحيد الذي يضمن لهم وجبتين في اليوم ومجتمع واسرة واخوة وأب رمزي.
ودعونا لا ننسى أن السيد مبارك أردول قال سابقا انه عندما قرر الجنوب الانفصال في 2011 ، قررت حركته الشعبية بدء تمرد عسكري آخر في الجنوب الجديد للاسترباح. وأضاف أن الحركة جندت الكثير من الشباب من جنوب دارفور وكردفان لكن الخطة توقفت وتغيرت. ومع ذلك، أضاف مبارك أن حوالي ستين في المائة أو نحو ذلك من مجندي الحركة الشعبية انضموا لاحقًا إلى قوات الدعم السريع.

بالنسبة لهذا الشباب لا فرق بين الحركة الشعبية و الدعم السريع: الوحش هو نفسه، لا يهم الفرق ، لا يوجد عقل، لا توجد أخلاق ، كل ما في الأمر أن الشباب يحتاجون إلى وظيفة والقادة يريدون السلطة والهيمنة والربح.

وكان من ضمن الكوارث التي فتحت الطريق لما يحدث الان هو تعامل الساسة والمثقفون والخارج مع حملة السلاح علي انهم مناضلون يمتلكون قضية بمشروعية أخلاقية وسموهم حركات كفاح ولم يدعهم أحد قطاع طرق.

لذلك بشكل صارم ينضم كل من القادة والجنود لأسباب اقتصادية، لكن هذا لا يستبعد احتمال وجود نسبة صغيرة جدًا تنضم إلى القتال لسبب مثالي ولكن الغالبية العظمى من المقاتلين ينضمون لأسباب تتعلق بفشل نموذج التنمية الاقتصادية و ضعف الدولة.

إذا كنت لا تصدق هذا، أرني قائد جماعة مسلحة تقاتل بناته وأبناؤه ويشاركون في الحرب. في الواقع، يعيش معظم هؤلاء الأبناء والبنات حياة فاخرة في مدن آمنة في الغرب وحول إفريقيا.
أو إذا كنت تعتقد أن التهميش هو العامل الرئيسي وراء الحرب، فاشرح لي لماذا لم تشن المجموعتين الأكثر تهميشًا في السودان حربا حتى الآن : أعني النساء والفقراء من جميع المجموعات العرقية.

أسباب الحرب دنيئة وخسيسة، لكن للأسف المثقفون، عن قصد أو بغير قصد، يبتكرون نظريات خيالية تبرر الحرب وتجعلها تبدو محترمة ومبررة. الحرب شريرة ودنيئة وجبانة وليست مبررة. حتى لو ادعت تخريجات مثقفي “الواقعي عقلاني” غير ذلك.

معتصم أقرع

[ad_2]

مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى