السياسة السودانية

منى أبو زيد تكتب : أزمة بُوح..!

“البوح ليس دائماً أذناً أخرى، بقدر ما هو زمان ومكان ولذة اعتراف”.. محمد حسن علوان..!

ذات جولة بين موجات الإذاعات المحلية، تعثّرت بحوار طريف لم تسمح ظروف المُصادفة بالتعرُّف إلى مصدره، لكنها سمحت بالتقاط موضوع النقاش الذي كان شيئاً على غرار “طريقة التعبير عن المشاعر في علاقات الأزواج في مجتمعنا”، ويبدو أنّ ما فات عليّ سماعه من الحديث المبتور كان استعراضاً طريفاً لتاريخ “أزمة التعبير اللفظي” بين الأزواج السودانيين..!

فزيادة مُحتويات “قُفة الخضار” كانت خير مثال للتعبير عن محبة الزوج، وفي مُقابله تُعبِّر الزوجة عن حُبِّها بالإخلاص في طبخ مُحتويات تلك “القُفة”. واليوم لم يتغيّر الحال كثيراً، فلا تزال المَواقف المادية الصّامتة هي وسيلة التعبير عن العاطفة في مُؤسّسة الزوجية..!

تلك اللقطة الكوميدية أغرتني بالتأمُّل في مفردات الخطاب، وأيقونات التواصُل العاطفي بين الأُسر السودانية وغيرها في المُجتمعات الأُخرى. البون الشاسع بيننا وجارتنا مصر في هذا الصَّدد هو أقرب مثال، فالمصريون ـــ من الوزير إلى التاجر إلى المُوظّف إلى الخفير ــ كلهم يحملون شهادة دكتوراه في علم الكلام، والفرد عندهم مهما قَلّ نصيبه من الرزق أو التعليم، مُتحدِّثٌ لبقٌ بالفطرة والمنشأ والمُعايشة الاجتماعية..!

ومفردات وأيقونات المُخاطبة والتواصُل بين الأزواج عندهم تكاد أن تكون نقيض نظيرتها عندنا، من كلمة “حبيبي” التي تتوسّد أطراف ألسنة الأزواج إلى صراحة تواصل العيون وتناغم لغة الجسد التي تطغى على تعاملهم في الأماكن العامة – بصرف النظر عن خارطة “الدواخل” – المُهم أن اللسان حُلوٌ والباقي على الله..!

بينما يحرص الزوج النمطي عندنا على أن تسبق خطواته خطوات زوجته بفارق متر إلّا قليلاً، وتتسربل ملامح الأزواج عندنا بالجدية التي تبلغ حَدّ الصرامة عندما تضطرهم الظروف إلى إدارة أيِّ حوار جانبي بحضور الآخرين، وكأن إظهار التواصُل والتناغُم العاطفي ضمن إطار الأدب والاحتشام عيبٌ، وكأنّ استشعار الآخر لعُمق محبتهما كأزواج ذنب اجتماعي يستعيذان من الوقوع فيه..!

عندما يتعلق الأمر بالمشاعر، يجد الواحد منا نفسه محشوراً في خانة الإنشاء العاطفي، يلجم الحرج لسانه وتحتل الأفعال مكانة الأقوال. الرجل السوداني هو أفضل الأزواج وأكثرهم شهامةً وإخلاصاً ونُبلاً بشهادة الآخرين، لكنه يُفضِّل التعبير المادي. وهو على استعدادٍ لهد الجبال عن طيب خاطر مقابل أن لا يُخاطب زوجته بكلام حلو أمام الناس، أما الزوجة عندنا فأضل سبيلاً وقد يوردها دخوله عليها بباقة ورد موارد الظنون المُفضية إلى الهلاك..!

نحن شعبٌ يُعاني أزمة بوح متوارثة بتوارث مناهج التربية الأسرية، والحل يكمن في تطوير الإرث الاجتماعي بما يكفي لحلول التغيير. اللهم قلِّص مساحات أمتارنا وفك تقطيب رجالنا واحلل عقدة ألسنتهم يفقه قول نسائنا..!

صحيفة الصيحة


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى