السياسة السودانية

تجاذبات العسكر والإسلاميين إلى أين يمكن أن تنتهي؟

سودان تربيون : خاص

أكّد قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان أنّ القوات المسلحة لن تسمح لأيّ فئة ياستخدامها في سبيل الوصول لكراسي السلطة.

وقال البرهان خلال خطاب ألقاه في قاعد عسكرية، شمالي الخرطوم في 6 نوفمبر الجاري: ” نقول للمؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، ابتعدوا، ارفعوا أيديكم وأقلامكم عن القوات المسلحة”.

تحذيرات قائد الجيش للإسلاميين عيناً أثارت هواجس متطابقة لدى أحزاب سياسية، من بينها المؤتمر الشعبي وحزب الأمة، وسرعان ما عبّر قادة من الحزبين عن إمكانية تحرك المؤتمر الوطني داخل المؤسسة العسكرية وقلب الأمور.

وقال الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي كمال عمر في حديث لقناة الجزيرة مباشر: “إنّ رئيس المجلس العسكري لديه معلومات عن أنّ المؤتمر الوطني يعمل على استدعاء المؤسسة العسكرية، ولم يتعظ من تجربة البشير”

لكن متحدث باسم المؤتمر الشعبي أكّد لسودان تربيون: ” أن حزبه ليس لديه مخاوف من وقوع انقلاب عسكري”.

وقال عوض فلسطيني: “إنّ مبدأ الانقلاب لم يعد قائماً بدليل ما انتهى إليه انقلاب 25 أكتوبر والإجماع المحلي والدولي على رفضه، لكن يكمن الخطر في تواطؤ المجموعة العسكرية مع أنصار النظام البائد، وقد حاول البرهان، الذي يواجه ضغوطاً داخلية وخارجية، تقديم إيحاء بأنه بعيد عن الحزب المحلول من خلال تصريحات حمالة أوجه”

 يُرجع القيادي في المؤتمر الوطني أمين حسن عمر تحذيرات البرهان للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني إلى كونه يخضع للابتزاز بواسطة أحزاب يسارية، وأشار إلى أنّ البرهان ابتدر خطابه بالقول إنّ هنالك جهات تهاجم الجيش وتتوعد بتفكيكه وهذا ما لن يحدث، ثمَّ أراد أن يَنأى بجانبه عن الحركة الإسلامية بهذه العبارات.

وقال عمر لقناة الجزيرة مباشر: “إن كان يعلم يقيناً أنّ هناك من يتوارى وراء الجيش ليحكم، فهو في الموقع المناسب للتعامل معه”.

كيف بدأت التجاذبات ؟

في مرحلة أوليّة تضافرت دعوات الإسلاميين من أجل التظاهر وتحريك الشارع العام للاصطفاف ضد ما وصفوها بالتدخلات الخارجية ومناهضة تسوية سياسية أقر البرهان أخيراً بدوران الحوار حولها مع أجسام سياسية وطنية.

وكشف قادة إسلاميون عن أنّهم،ومنذ أن ذاعت الأنباء عن تسوية ثنائية مع قوى الحرية والتغيير، انخرطوا في لقاءات خاصة مع بالبرهان، بغية إيصال موقفهم الرافض والتحذير من المآلات فيما إن تمت، وأن قائد الجيش طلب منهم خلال الاجتماعات أن يخرجوا إلى الشارع ليثبتوا وجودهم.

أكّد الناشط ضمن التيار الإسلامي “ناجي مصطفى” إنّ البرهان أخبر سياسيين بأنه يواجه ضغوطاً، وأنّ عليهم أن يخرجوا ليقدموا له الدعم”

وقال نائب رئيس حركة الإصلاح الآن “حسن عثمان رزق” في كلمة أمام متظاهرين من فصائل إسلامية تجمعوا يوم 27 أكتوبر 2022 أمام مقر البعثة الأممية بضاحية المنشية: “كنا في لقاء مع البرهان وقال لنا أنتم غير موجودين في الشارع، وليس لكم دستور،الآن رأيتم هذه الحشود والكتائب، ودستورنا جاهز مستمد من القرءان والسنة وسنسلمه الأيام القادمة”

الصحافي عبد الماجد عبد الحميد وهو عضو بالمؤتمر الوطني المحلول، وشغل حقيبة وزارية ولائية خلال حكم البشير، قال لـسودان تربيون: “إنّ البرهان عقد خلال شهر أكتوبر ثلاثة لقاءات مع ممثلين لقوى وطنية إسلامية، كان أولها موسعاً، ضم (50) شخصية من التيار الإسلامي العريض، والتقى في اجتماع ثاني بعدد محدود من الأشخاص، يحسبون على التيار الإسلامي، فيما جمع ثالث هذه اللقاءات البرهان بعشرة أشخاص فقط يمثلون تيارات وطنية وإسلامية، بينهم عسكريين. مبيناً أنّ الاجتماع الأخير كان من أجل “المناصحة” وجاء سابقاً لتظاهرة نظّمها الإسلاميون بساعات قليلة”

وفقاً لعبد الحميد فقد أكّدت القوي الوطنية والإسلامية للبرهان أنّها لن تقف مكتوفة الأيدي للفرجة على تحالف جديد ينسجه مع أقليات سياسية، مهما تكن مدعومة من قوي دولية وإقليمية.

الخيار الصعب

يشير المحللون في الخرطوم إلى القدرات العسكرية والموارد الهائلة التي تتوفر للإسلاميين، بناء على قاعدة الولاء الصلبة التي يحظون بها داخل الأجهزة والمؤسسات العسكرية، حيث حققوا وجوداً كثيفاً داخل الجيش، على مدى ثلاثين عاماً من حكمهم، كما راكموا خبرات عسكرية وقتالية كبيرة جراء التدريب العسكري للآلاف من الشباب المنضوين تحت راية التنظيم والمشاركة الفاعلة في القتال خلال سنوات الحرب الأهلية بجنوب السودان.

ربما أغرت تلك القدرات المغامرين الإسلاميين بالذهاب إلى الانقلاب العسكري، لكن المحللين السياسيين والعسكريين يؤكدون أن ذلك سيكون خياراً صعباً وقفزة في الظلام، نسبة للمعطيات على أرض الواقع ووجود أكثر من خمسة جيوش بالبلاد.

تشيرا لقراءات التي تحذر من احتمالات لجوء الإسلاميين للانقلاب العسكري إلى حقيقة تنفيذهم لأربعة تحركات عسكرية منذ أطاح الجنرال ابن عوف بالبشير لتتم إزاحته بواسطة البرهان، ومن ثمَّ تعاقبت محاولات هاشم عبد المطلب وعبد الباقي بكراوي التي أجهضت جميعاً داخل قواعدها.

شكوى من التدخلات الخارجية

كشف مصدر خاص لسودان تربيون، إنّ الإسلاميين يأخذون على البرهان رضوخه للضغوطات الخارجية، وقد أعترف لهم بذلك خلال الاجتماعات المتتالية التي انعقدت بينهم في أكتوبر، حيث حدد مسارات التسوية التي تجري على قدم وساق، وأخبرهم بأنّ الغرب والأمريكيين على وجه التحديد يضغطون بشدة وهم يريدون تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية، لكنه نبههم إلى أن السعوديين والإماراتيين على وجه التحديد لا يزالون يرفضون أيّما تمثيل لقوى إسلامية بالحكومة المدنية، فيما لا تعارض مصر استيعاب شخصيات إسلامية معتدلة.

وبحسب مصادر متطابقة فإن قرار إعادة قادة النظام السابق للسجون بعد أشهر طويلة سمح لهم خلالها البقاء في مشافي خاصة يكشف وصول العلاقة بين العسكر والإسلاميين لنقطة يصعب معها الوصول لتوافق قريب فيما تتصاعد لهجة العداء من الإسلاميين للعسكر وتوقعهم بدء حملة اعتقالات وسط قياداتهم للحد من معارضتها لمشروع التسوية الذي يمضي بين العسكر وعدد من القوى السياسية.


المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى