السياسة السودانية

لا أعرف حتى بعد أن سمعت كل المقدمة، لماذا ابتدر هيكل كتابه بهذه الآية

تطاردني هذه الآية منذ أيام، سمعتها والإمام يتلوها بصوت يزلزل القلوب، ثم كررها على المصلين، كأنه أرادها أن تنهاهم عن حرام يفعلونه في الخفاء، ومرة ثانية وأنا أحرك مؤشر الراديو، عند إذاعة القرآن الكريم، تصعقني الآية، ألم يعلم بأن الله يرى، تناولت المصحف بعد يوم، فوقعت عيني أول ما وقعت على سورة العلق، “أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى”، ماهذا السؤال المخيف يا ربي؟ بعد ذلك، دخلت على المكتبة الصوتية لملاذ حسين خوجلي، فوجدتها تستعرض بصوتها كتاب محمد حسنين هيكل، بين الصحافة والسياسة، وقد ابتدره، ويالها من صدفة، بالآية نفسها، (أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ)، ولا أعرف حتى بعد أن سمعت كل المقدمة، لماذا ابتدر هيكل كتابه بهذه الآية، ثم تأملتها، مع مرور شريط ذنوب الخلوات، أو في الدعوات المُعلقة على أبواب السماء، عند الصدقة التي لا تريد بها وجه الله، يراك، أو بإختلاس النظر إلى جارتك الجميلة، أو بأعمال النفاق كلها، يراك، عندما تتعاطى المخدرات بعيداً عن العيون، تراك عينه التي لا تنام، أكاذيبك وونساتك الخاصة، نكاتك الفاجرة، تخشى الناس والله أحق أن تخشاه، يرى حسدك وغيرتك وأحقادك ومؤامراتك، وخفايا الصدور بالمرة، يرى دموعك وأهاتك، تقلبك في الليل، برك بوالديك وصلة أرحامك، يرى مشاهدتك للأفلام والأغاني والمقاطع الخليعة، لوحدك، أو من وراء سماعة البلوتوث، يراك، حين تشتم الناس بحسابات مزورة على الفيسبوك، او تنتهك خصوصياتهم، تخفي في نفسك ما الله مبديه، أنت مراقب في كل حركاتك، فكيف تجعل الله أهون الناظرين إليك، أخذتني دموعي وأنا اقرأها مرة بعد الأخرى، ألم تعلم بأن الله يرى، حزنك وضيقك ومكابدتك، طلبك للرزق الحرام والحلال، والتحايل على الربا، أكل أموال الناس بالباطل، رغباتك المكبوتة، يراك، ويراقبك أكثر مما يراقبك رجل الأمن، وحارس البوابة، وأجهزة التنصت الذكية، تزلفك ونفاقك للأغنياء، وأنت تنقص المكيال والميزان، يراك، يرى جدار قلبك الذي كاد ينقض من الأسى، وصبرك على المكروه وخاطرك الكسير تحت رمش الدموع الحبيسة، في تلك الخبيئة، ألم يعلم بأن الله يرى، تظنه سؤال ولكنه تعجب من أصعب ما يقع على النفس، سُئِل الإمام الجنيد البغدادي، ذلك العالم الصوفي الجليل والعبد الذي شرقه الحب، “بِمَ يُستعان على غضِّ البصر قال: بِعِلْمكَ أنَّ نَظَرَ الله أسبقُ مِن نظركَ إليه”، ربي إنك تراني، وتعلم حالي كله، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا تحرمني من النظر إلى وجهك الكريم في الجنة.
عزمي عبد الرازق


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى