السياسة السودانية

دكتور ياسر أبّشر يكتب: المتنبي يعتذر لكافور الإخشيدي.. ويهجو البرهان

قال الصادق المهدي، رحمه الله، لجلسائه مباشرةً بعد أن خرج البرهان من زيارته:
هذا الرجل يتحدّث عما يحدُث في السودان كأنه يتحدّث عن بلد آخر، أو كأنه مواطن من بلد آخر!!!
قالها الإمام وهو مندهش من سلبية الرجل ولا مبالاته بما حاق بالسودان وهو على رأسه!!
وحول هذا كانت طائفة من المثقفين تناقش تداعي كل شيئ في السودان أمام ناظِرَي البرهان.
وحول إيغَال الرجل في سلبيته Passiveness، تجادل اثنان منهما:
هل البرهان “دُلقَان” أم هو “مُعْرَاكَة”؟؟ وأدلى كل منهما بحجته!!!
وتواصل النقاش.. فقال أحدهما: إنه مقتنع بأهمية اعتناء المثقفين بتطورات الأوضاع السياسية في السودان ومتابعتها بنزاهة وموضوعية، وإلاّ سيصدق علينا قول إفلاطون:
One of the penalties for refusing to participate in politics is that you end up being governed by your inferiors
“إن من بين العقوبات التي ستنزل علينا جراء الامتناع عن المشاركة السياسية، هي أن ينتهي بنا المآل أن نُحكَمَ بأراذِلنا”!!
وهذا يعني أن الذين يقفون ضد المشاركة السياسية الفاعلة النظيفة في ظروف السودان الحالية سيقعون فريسة لسياسات يفرضها عليهم الأنذال المتحكمون في القرار، فيعانون كمواطنين ويعاني الوطن من سلبيتهم.
وهذا تقريباً ما قاله الرئيس الفرنسي الجنرال ديجول:
I have come to the conclusion that politics are too serious a matter to be left to the politicians.
“لقد توصلت لخلاصة مفادها: أن السياسة أجل خطراً من أن نتركها للسياسيين وحدهم”.
حَدَثان شدّا انتباهي هذا الأسبوع.
أما أحدهما فقد سجله فيديو يظهر جنود حميدتي وهم يقتلون ثلاثة من المواطنين العُزّل في دارفور بدم بارد وقسوة لا ينافسهم فيها ذئبٌ مفترس!!!
وأما الآخر فهو لناظر الجموعية المك عجيب يدعو حميدتي أن يأتيه ليأخذ عربة البوكس التي أرسلها له بُغية أن “يكسر بها عينه”، ولكن الناظر يثبت أن ذِمته غير قابلة للشراء.. وأنه أنزه من جماعة قحت الذين يتزلفون حميدتي لماله، والذين هم لنفاقهم: يأكلون مع كل ذئب، ويبكون مع كل راعي.
والناظر واقفٌ شامخٌ يقول لحميدتي ولغيره:
فلا ذا يراني واقفاً في طريقهِ
ولا ذا يراني واقفًا عند بابهِ
غني بلا مالٍ عن الناس كلهم
وليس الغِنى إلاّ عن الشيء، لا بِهِ
وأمام ما يُقارِفه حميدتي من فسادٍ بماله، فليس من حقنا أن نُجَرّم أي موظفٍ يرتشي، فالفساد هو الفساد وإن تعددت صنوفه.
وفي كلا الحدثين، لم نسمع أن البرهان احتج أو حقق في قتل قَتَلَة حميدتي للمواطنين، ولا سمعناه يرفض فساد المال السياسي الذي يمارسه حميدتي مع بعض النظار والشيوخ وغيرهم!!!
وهكذا يظل خلاف المُثَقّفَين: هل البرهان “دُلقَان” أم هو “مُعْرَاكة”!!
السودان في عهدٍ عجيب.. عهد ازدهار “المَيَاتَة” والغباء السياسي.. عهد البرهان.
وليس أدَلّ على ذلك من جعلنا نستمع لبشر مثل حميدتي يحدثنا في السياسة!!
وبِبزوغ نجم حميدتي، وجماعة “سفارة.. سفارة”، صرت أفهم مقالة نابليون القائلة:
In politics , stupidity is not a handicap
“الغباء ليس إعاقة في السياسة”.
سمعناه أمس الأول وهو يَتَوعّد نُظّار وقادة الإدارة الأهلية، ويتوعّد الكيزان، الذين كان من بينهم البشير ووزراؤه.. وما كان حميدتي يستطيع أن يدخل عليهم إلاّ منكسراً خائفاً يتَرَقّب.. ولو أنه كان ذا مُثُل وقيم ومبادئ لكان أبدى معارضته لهم وقتها، لا أن ينتظر دخولهم السجون ليدّعى “الفَرْسَنَة”..
ومن البليَّةِ عذلُ من لا يرعوي عن غيِّهِ..
وخطابُ من لا يفهَمُ
وإذا أشارَ مُحدِّثًا فكأنَّـهُ
قردٌ يُقَهْقِهُ أو عجوزٌ تلطِـمُ
لقد اختلط الحابل بالنابل. ففي غير عهود التيه هذه ، لست أدرى في أي مرمى كان سيرمي به الدهر:
فمثله يُؤتى من بلادٍ بعيدةٍ
ليضحكَ ربات الخدور البَواكِيَا ،
حين يَسْمَعْنَهُ يتحدث!!
في مثل هذه العهود:
ذو العَقلِ يَشقى في النَعيمِ بِعَقلِهِ
وَأَخو الجَهالَةِ في الشَقاوَةِ يَنعَمُ
منذ استقلالنا، لم يَقُدْنَا مَنْ هُمْ في عجز البرهان ولا جهل حميدتي.
والبرهان أمره أعجب!!
قادنا البرهان إلى التِّيه، وبتواطؤه وعجزه وخورِه.. تكأكأ على السودان يهوذا الاسخريوطي، ودون كرليوني، وأنكل سام، وروتشيلد، والسامري، وشيطان شاطئ القراصنة، وابن عبد ود.. واستخدموا لتحقيق أغراضهم منظمة تسمى (منظمة سفارة… سفارة) وهي منظمة أعضاؤها: هراطقة، ولا دينيين، وأدْنِيَاء. تعمل من أجل المال ولو أدّى هذا للمجازفة بما يَعِزُّ على ” أولاد البلد ” .
لقد جرّبنا الكذب على البرهان، وجرّبناه على حميدتي، وأحصيناه فيما لا يُحصى من مقالات، وقد عاصرنا الفارس نميري وسمعناه يُردد:
“إن الرائد لا يكذبُ أهله”.
وعاصرنا البشير الذي كان رجلاً.
وإن هما ضاقا بما نكتب فليتذكرا حكمة المتنبي:
ومن العداوة ما ينالك نفعه
ومن الصداقة ما يضرُّ ويُؤلِمُ
فإن ما نكتبه لا نبتغي من ورائه إلاّ وجه الله والوطن.
ولأن أهل السودان عَلِمُوا من أودى بحياتهم اليوم، فإني أعتذر إليك يا كافور..
فما كُنتُ أحْسَبُني أحْيَا إلى زَمَنٍ
أرى فيه سودانَ عِزٍّ بالبرهانِ محكومُ.
**
لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي
شَيْئاً تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جيدُ
يا صاحبيَّ.. أخمرٌ في كؤوسِكُما
أم في كؤوسِكُما همٌّ وتسهيدُ.
حسبنا الله ونعم الوكيل.
ياسر أبّشر


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى