السياسة السودانية

حميدتي تحت الاقامة الجبرية ام برهان الي الدروة .. من يحكم ذو الشوكة ام صاحب الغلبة

*حميدتي تحت الاقامة الجبرية ام برهان الي الدروة .. من يحكم ذو الشوكة ام صاحب الغلبة.*
*قال البرهان لوسيط زاره من دولة خليجية أنه إذا حاول أن يجد مخرجاً لحل الخلاف بدون دمج الدعم السريع فإنه علي قناعة بأنه سيفقد السيطرة علي الجيش تماماً*
تقرير اخباري-مونتي كاروو-19-3-2023
التوتر القائم حالياً علي سماء المشهد السياسي السوداني بركام سحابه من البارود الأسود وأكوام الحديد الممتلئة بالجنود الأبرياء يجعل الامة السودانية كلها تحبس انفاسها بصورة غير مسبوقة لمحاولة التكهن بمآلات الامور.

وكلمة غير مسبوقة هذه لدي المراقبين محل نظر لأن الصراع الحالي يرونه يشبه في بعض تداعياته صراع العقائدين مع السلطان ذو الشوكة كما حدث في يوليو 1971م من هاشم العطا ونميري أو أربعة رمضان كما كانت مفاصلة البشير مع الترابي ، بلا شك مع إختلافات قد تبدو طفيفة بالنظرة الكلية في النوع والحجم لعناصر الموقف هنا وهناك، مثل دور المكون القبلي والعنصر الخارجي والتحالفات المكشوفة بين مكونات المشهد في هذه وتلك.

لقد كان طرد عناصر الشيوعي من مجلس ثورة مايو مثل بابكر النور وفاروق وهاشم العطا (في نوفمبر 1970م) ثم إعتقال عبد الخالق محجوب هي القشة التي قصمت ظهر بعير التحالف مع أب عاج ثم جاءت عاصفة إنقلاب هاشم العطا لتدق آخر مسمار وتدفن مع رفاة الإنقلابيين أحلامهم ويؤسس النميري حكمه لــ 14 عام تالية. وكانت مذكرة العشرة والتعديلات الدستورية ثم مؤتمر العشرة الف (اكتوبر 1999م) هي الزعابيب التي مكنت البشير من مفاصلة الترابي وحمل جل انصاره إلي مبايعة ذو الشوكة وترك شيخهم إلاّ من قلة معه. فما هي نقطة اللاعودة التي وصلها برهان مع نائبه حميدتي حتي تجعلنا نعمل قياسا متطابقا؟

قال البرهان بصورة قاطعة لوسيط زاره مطلع هذا الأسبوع من دولة خليجية مهمة جداً للحليفين المتصارعين إنه إذا حاول أن يجد مخرجاً آخر لحل الخلاف الحالي بدون دمج الدعم السريع وتحييد قيادته الحالية من العمل العسكري – ولو بفرض الاقامة الجبرية- بغير هذا فإنه علي قناعة بأنه سيفقد السيطرة علي الجيش تماماً ، وعلمت مونتي كاروو أن برهان إستخدم تعبير (بنادق ضباطي في رقبتي، إذا تراجعت الآن فانهم سيدوسوني أنا وبعدها يقع الصدام..).
وفي الحقيقة فإن الصورة أشد قتامة من هذا لكنها جاءت مؤجلة منذ صبيحة الثلاثاء 21 سبتمبر 2021م عندما رفع البرهان غطاء النوم من وجهه علي صوت قائد الحرس الرئاسي العميد وقتها نادر المنصوري وهو في كامل لبس خمسة يبلغه بوقوع إنقلاب عسكري وأن القيادة العامة في طريقهم إلي السيطرة عليها ووحدات المدرعات في كل العاصمة وجزء كبير من المظلات خارج السيطرة ، نهض البرهان وذهب إلي الإجتماع بجنرالاته وتردد في الإجتماع اسم اللواء عبد الباقي بكراوي العائد من مصر وعلي الفور كان يتحدث بكراوي الي مدير الأمن العسكري دفعته اللواء عبد الرحمن حاج النور، أنا ما متمرد ولا إنقلابي ولا سياسي أنا عسكري محترف الآن مطلبي أنا وضباطي وجنودي واحد فقط حل قوات الدعم السريع وإستلام سلاحها فوراً بواسطة القيادة العامة أو نحن بمدرعاتنا دي بنؤدي مهمتها..

التفت برهان إلي الجالسين من كبار الجنرالات وطلب منهم تقدير موقف فأسرع الفريق محمد عثمان الحسين يقرأ تقرير الرأي العام العسكري الذي قدمه اللواء ياسر عثمان مدير الاستخبارات العسكرية بأن هذا المطلب هو رأي عام في الجيش يعبر عنه الإنقلابييون أو ربما يتخذونه تكئة المهم ان الجيش كله خلف هذا المشهد -المدهش أن تقرير ياسر يربط سيل الشتائم تجاه الجيش الظاهر في السوشال ميديا من شريك الحكم قوى الحرية والتغيير بتحريض الدعم السريع-

(٢)
لقد ظهر للبرهان هذه المفارقة بصورة جلية ، أن عليه أن يختار بين تأييد ضباطه وجنوده الآن وفوراً أو الإستمرار في حماية نائبه حميدتي وخسارة جيشه كاملاً.. استيقظ في هذه اللحظة برهان الاستخبارتي فغامر بلعبة ذكية ربما لم تنكشف تفاصيلها كاملة بعد لكنها نجحت في نزع الفتيل وتأجيل الإنفجار، فقام باستغلال تصريح غير موفق تعجل به محمد الفكي( هبوا لنجدة ثورتكم) فسارع برهان الي مهاجمة المدنيين واتهمهم بإحتكار السلطة والتسبب في مشاكل البلاد والعمل علي الاستئثار بالسلطة وإلقاء فشلهم علي شماعة المكون العسكري، في الجانب الآخر تصرفت قوى الحرية والتغيير بخفة عقل ولم تتفهم مكونات القنبلة الموشكة علي الإنفجار والإنحياز للعاصفة، فانساقت إلي فخ البرهان وهو تحويل الصراع من بارود بارود ونار وحديد الي صراع سياسي كانوا هم كبش فداءه.

وظل الصراع يعتمل تحت السطح وسجلت مضابط الإستخبارات عدة محاولات من أركان في الدعم السريع لإستقطاب ضباط جيش في الخدمة خاصة في الأسلحة الفنية مثل المدرعات والطيران والتصنت لكنها جميعا كان يجري التبليغ عنها مع أن بعض محاولاتها وصلت الي اللجوء الي الخنادق وانزال استعداد 100٪ في مارس ومايو ويوليو 2022م وكلفت احدى هذه المحاولات النائب الأول أن يعتصم شهرين متتابعين في دارفور حتي تهدأ الأجواء في الخرطوم ويعود لها.

ومع ادراك البرهان لتضاؤل شعبيته في الجيش وسط إتهامات يصوبها له كثير من الضباط بالجيش بأن ضعفه وتردده تسبب في تمدد الدعم السريع على حساب المؤسسة الأم ، ظل في بعض الاحيان يستخدم فزاعة الدعم السريع كترياق يمنع به اي محاولة يقوم بها ضباط بالجيش للاطاحة به فيرفع من درجة الإستعداد وسط قواته عند ورود اقل معلومات عن اي تحرك عسكري

إلا أن المعلومات المتوفرة هذه المرة بصورة دقيقة لكن دون اسهاب في التفاصيل، تفيد أن القائد العام للجيش قد وقع علي معلومات مؤثقة لا ترقي للشك بأن نائبه الأول يقود خلية تآمرية مع ضابط برتبة رفيعة في الجيش وأن هذه المعلومات تحت التحديث منذ فبراير 2022م ، لكن الجديد هذه المرة هي أن ذلك الضابط تعاون مع خلية إستخبارية وطنية نشطة قامت بتسجيل جلساته مع النائب الاول بصورة دقيقة مع طرح أسئلة تفصيلية أصبحت توضح للبرهان أن وجوده الشخصي وليس الرئاسي بات مستهدفاً ، وأن المخطط هو إختفاء رئيس المجلس ومن ثم يتسنم نائبه الأول بصورة تلقائية موقع الرجل الأول وينحاز أبناء الهامش في الجيش بعد تنظيمهم إلي تأييد هذا المسعي، لكن تم العزوف عن هذا المخطط، وجاء الاتفاق الإطاري ليوفر هامش منصة يمكن أن تؤدي الي تلاقي سياسي مكشوف لجماعة لديها برنامج عمل يمكنه من تكرار سيناريو أبريل 2019م بحشد إعتصام في موقع حساس مثل القصر الجمهوري أو القيادة العامة مرة اخري وبالتالي يتدخل الدعم السريع بسلاحه لحمايتها ويوفر الاتصال المسبق وتحييد وحدات الجيش في قيادات المناطق في العاصمة ومن ثم يقع التغيير المنشود وينزاح برهان ورهطه وينحاز من هم أدنى منه طوعاً أو كرهاً ويتشكل المشهد بقيادة جديدة.
يظن حميدتي انه سيضع مجموعة الاطاري وقيادات الجيش الطامحين المتعاونين معه سقالة للعبور بهم الي سدة الحكم ، فيما يخططون هم بأن حميدتي إذا تمكن فمن السهل التخلص منه بعدها – يقطعوا بيه فرقة الاطرش- وتعبير الأطرش للاسف هو المستخدم في جلساتهم. وتسرب للضابط الرفيع ، أن جهات خارجية علي دراية ببعض التفاصيل فطار الي مصر بساتر العلاج ثم عاد وكاشف البرهان ثم تعاون مع صبير مدير الإستخبارات وتم توفير بينات قاطعة (صورة وصوت) للمخطط كما تشير بعض المصادر.

ونشطت الوساطات بعد حديث البرهان في نهر النيل وقبيل إلقاء حمديتي لخطابه الأخير صبيحة ورشة جوبا حيث عمد رجال من الإدارة الاهلية حادبين علي لم الشمل الي دعوته لعدم مصادمة الجيش وكان يتحدث النائب الاول بتفاؤل بأن الجيش معه دون ان يكشف لهم أن لديه خطة (ب) مع ضباط بالجيش .
(3)
لم تكف محاولات حميدتي لاستقطاب جنرالات بالجيش فهو يسعى لضمان عملية دمج قواته في المؤسسة الأم بطريقة متحكم بها وفق رؤيته مع إجراء إصلاحات عميقة في المؤسسة العسكرية ومن ثم بناء جيش قومي ومهني كما قال عند التوقيع على الإتفاق الإطاري.
إن قوات الدعم السريع والتي صارت أقرب لحزب سياسي له اذرع علامية وواجهات اقتصادية ورافعات استثمارية ، وتحالفات مع قوى سياسية وتجد دعماً واضحاً من جهات إقليمية ودولية ، لايمكن ان تدمج في نظر حميدتي هكذا ببساطة دون ان يجني المكاسب المرجوة ولذلك يريد أن تستغرق عملية الدمج وقتاً أطول وذلك لايمكن أن يتحقق دون أان يكون على سدة قيادة الجيش موالين له
إن نظرة العسكريين لحميدتي مثل نظرتهم لعبد الخالق محجوب وحسن الترابي ، يرونه شريكاً رديفاً في السلطة وليس رفيقاً أوزميل سلاح ، لهذا مهما صرف من مال أو نثر من فكر ، فإن حد المنافسة علي الكرسي تحتاج الي سيفٍ حاد ، ولا ينفع وقتها المقولة لولا أنا لما كنتم أنتم هنا فقد قالها الشيوعي وقالها الاخو المسلم ولات حين مناص.

ويبقي الفاعل الاهم الحاكم في هذا المشهد هو عامل الزمن والطريف في الملاحظ ان (26 عاما بين مفاصلة النميري والشيوعيين، وخمسة وعشرين عاماً بين مذكرة العشرة ومفاصلة حميدتي المرتقبة).

(4)
لقد اختارت الأقدار للنميري أن يلجأ للبارود وحده بطريقة دموية حسم الصراع مع خصومه وجاءت مفاصلة البشير لشيخه الترابي بطريقة فيها الكثير من المصانعة السياسية والصبر وضبط النفس مع بعض التفلتات التي اٌذهقت فيها الارواح، فيا ترى ما الذي تخبئه الاقدار لأهل السودان في هذه المفاصلة المرتقبة؟

مونتي كاروو


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى