السياسة السودانية

المظفر الدقيل.. التطبيع مع إسرائيل سيكون معزولاً عن المجتمع السوداني

مع ارتفاع حمى التطبيع بين السودان وإسرائيل، برزت مجموعات مقاومة لتلك التوجهات، إحداها تجمّع سودانيين ضد التطبيع، الذي يتحدث رئيسه المظفر الدقيل لـ”العربي الجديد”، عن أهداف هذا التجمّع والخيارات القائمة لمواجهة التطبيع.

*بداية نريد أن نعرف عن تجمّع سودانيين ضد التطبيع؟
سودانيون ضد التطبيع هو تجمع شبابي يضم كل الشباب السودانيين الرافضين للموقف التطبيعي، أو للعملية التطبيعية مع الكيان الصهيوني. وهو تجمّع ليس لديه توجّه أيديولوجي معيّن بقدر ما يجمع الناس بناء على اتفاق موقفهم تجاه القضية المركزية لمقاومة التطبيع والوقوف ضد التعامل مع الكيان الصهيوني. مثلاً أنا أنتمي للحركة الإسلامية، وهناك يساريون وهناك عروبيون وغيرهم في هذا التجمّع، باعتبار أن القضية عادلة من جوانبها المختلفة وكل شخص من زاويته وتوجّهه يجدها كذلك ومن الجوانب المختلفة كافة.

تأسس التجمّع بعد اللقاء الذي جمع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان برئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي في فبراير/شباط 2020، فكان ردة فعل تلقائية. ففي اليوم التالي من اللقاء نظّمنا وقفة احتجاجية أمام مجلس الوزراء أوصلنا فيها رسالة مفادها أن موضوع العلاقات الخارجية ليس من اختصاص مجلس السيادة وفقاً للوثيقة الدستورية، وطالبنا مجلس الوزراء برفض الخطوة، والتأكيد أن الموضوع ليس من مهام الفترة الانتقالية.

وبعد ذلك عقدنا مؤتمراً خاصاً بالتجمّع، وانتخبني المؤتمر رئيساً له، وواصلنا العمل المقاوم عبر العمل الثقافي والعمل السياسي والعمل الإعلامي والتنسيق مع الكيانات المختلفة، السياسية والمجتمعية والثورية، مثل لجان المقاومة وغيرها.

*لماذا أنتم ضد التطبيع في ظل تنامي الدعوات داخلياً وخارجياً للتطبيع؟
موقفنا من التطبيع هو موقف مبدئي تجاه الكيان الصهيوني، ومفردة التطبيع كمصطلح خاص بالعلوم السياسية تعني إعادة العلاقات إلى شكل طبيعي بين دولة وأخرى. ونحن لا نؤمن بأن الكيان الصهيوني دولة، بل هو كيان استيطاني احتلالي، احتل أراضي فلسطين، واغتصب مكتسبات الأمة ومقدساتها، ويقيم سلطته وفقاً لاستبداد، ووفقاً لتجريف شعب كامل، تجريف لقيمه وأخلاقه، واستيطان في أراضيه، وتدمير لمنازله وقتل أطفاله ونسائه.

النقطة الثانية، نحن السودانيون لم تكن علاقاتنا طبيعية مع الكيان الصهيوني حتى تعود إلى طبيعتها، وهي في الأصل علاقة عداء، فالسودانيون شاركوا في حرب 1948، وشاركوا في حرب 1967، وفي حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973. وفي عام 1958 سنّ السودانيون من خلال برلمان منتخب، قانوناً خاصاً لمقاطعة إسرائيل.

نحن السودانيون لم تكن علاقاتنا طبيعية مع الكيان الصهيوني حتى تعود إلى طبيعتها

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد قام الكيان الصهيوني، لتأكيد حالة العداء، بشن هجوم في السنوات الأخيرة على السودان، فقصف مصنع اليرموك (جنوب العاصمة السودانية الخرطوم) عام 2012، وقصف مدينة بورتسودان. كل ذلك يؤكد أننا تاريخياً نعيش حالة عداء مع الكيان الصهيوني الذي دعم كافة القوى السياسية المدنية والعسكرية التي لديها موقف من السلطة في السودان بغض النظر عن طبيعة النظام الوطني القائم بدون الارتباط بنظام سياسي معين، إذ دعم أي معارضة ضد أي حكم، عدا تصميمه ودعمه مشاريع تضرب السودان ووحدته الوطنية وهوية المجتمع وثقافته.

ولا ننسى دور الكيان الصهيوني في انفصال جنوب السودان، وإشعاله الحرب في دارفور، ودوره في ما يجري الآن في الساحة السياسية. بالإضافة إلى ذلك، فالموقف من هذا الكيان ليس من ناحية الجانب العقدي المرتبط بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول صلى الله عليه سلم، ولا لأنه استوطن أراضي دولة ذات حقوق، بل يتجاوز ذلك، لأن الكيان الصهيوني أصبح يشكل خطراً حقيقياً على السودان نفسه. فالأساطير المؤسِسة للكيان الصهيوني تخطط لبناء دولة من الفرات إلى النيل، ما يعني أن السودان جزء من مشاريعه التوسعية، ولو تراخينا واستكنّا، فسيأتي إلينا يطردنا من أرضنا.

الكيان الصهيوني يسعى سعياً حثيثاً لنهب ثروات السودان واختطاف القرار السياسي داخله وخلق نخب سياسية وعسكرية عميلة، وتدمير الاقتصاد السوداني عقاباً على سنوات دعمت فيها الخرطم المقاومة الفلسطينية.

الصهاينة يريدون تحويل السودان إلى دولة مستهلكة لمنتجاتهم، فهم في بحث دائم لزيادة إيراداتهم للصرف على ميزانية بقائهم. لماذا لا نعادي الكيان الصهيوني وهو دوماً يخطط لتفكيك السودان وتفكيك جيشه وشل مقدراته، والدليل أنه حينما أتيحت لوفود منه زيارة السودان سراً اختاروا زيارة هيئة التصنيع الحربي، لتفكيك المقدرات العسكرية التصنيعية لأنها تمثّل لهم خطراً كبيراً.

*لكن هناك من يبرر التطبيع بحثاً عن مكاسب اقتصادية وأن تكون تل أبيب مدخلاً لإصلاح العلاقة مع الغرب، كيف ترد على ذلك؟
من يقول ذلك عليه إدراك وعدم تجاهل حقيقية الكيان الصهيوني، فلا يعقل أن نصدق أن عدوك يمكن أن يساعد في تقدمك، ولا يحتاج دحض ذلك لكثير من العناء، وما علينا إلا النظر للدول التي طبَّعت مع إسرائيل، مثل دول الجوار القريبة كتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا، ماذا حققت من التطبيع، وهل تحسّن اقتصادها، وأين موقعها من النمو؟ على ذلك قس تطبيع دول عربية أخرى.

أما الحديث عن إسرائيل كمدخل للغرب، فدعنا نسأل ماذا نستفيد نحن من الغرب في ظل مشكلات كبيرة تصل حد الانهيار في الغرب، وسعيه نحو تدجيننا ثقافياً واجتماعياً، مقابل تشكل أقطاب جديدة قادرة على فرض وجودها، كما أن توجّهها الحضاري قريب من توجّهنا، لا سيما ما يلي محاربة المثلية والتصميم على المحافظة على الهويات الدينية. البعض للأسف يتحدث عن فوائد التطبيع على هواه وبدون أن يبيّن حتى دراسات جدوى عملية وواقعية.

*نعود إلى عام 2020 حيث بدايات التطبيع وتشكّل تجمّعكم، في ذلك الوقت كانت هناك شراكة مدنية عسكرية في الحكم. الآن بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، خلا الجو للعسكر بعد السيطرة على الحكم. ما خطورة ذلك وهل يستطيع العسكر تمرير التطبيع؟
قبل أن أجيب أود الإشارة إلى أن مشروع التطبيع له أذرع عسكرية ومدنية وسياسية واقتصادية تتكامل أدوارها مع بعض، فقوى الحرية والتغيير الحاضنة السياسية لحكومة رئيس الوزراء وقتها عبد الله حمدوك ذكرت في البداية أنها لا تعلم شيئاً عن لقاء البرهان ونتنياهو، وكذلك قال حمدوك، لكن لاحقاً جاءت الحاضنة والحكومة ومضتا في خطوات التطبيع. فألغت الحكومة قانون مقاطعة إسرائيل (المُقر عام 1958) ووقّع وزير عدلها نصر الدين عبد الباري على اتفاقية مصالحة مع إسرائيل، ما يكذّب كل ادعاءاتها السابقة، ويثبت أن كل تلك القوى السياسية جزء من مشاريع التطبيع.

مشروع التطبيع له أذرع عسكرية ومدنية وسياسية واقتصادية تتكامل أدوارها مع بعض

أما الآن فالبرهان يعتمد في خطواته الأخيرة، ومنها زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، على الجيش، وأنا شخصياً لا أملك مقياساً لقياس رأي الجيش، لكني متيقن أن الرجال الذين يعلمون أن رفقاءهم في السابق سقطوا في معارك مع العدو يعون مخاطر التطبيع ولن ينسوا تضحيات من سبقوهم.

*ذكرت في إجابة سابقة أن تنظيمكم يضم مدارس سياسية وفكرية مختلفة لمواجهة التطبيع، هل يمكن أن يأتي يوم ويكون موضوع مقاومة التطبيع مدخلاً لتحالفات سياسية جديدة بين تنظيمات متباينة؟
ذلك ممكن كموقف عام، لكن أي عمل مشترك، تظهر معه العقلية السودانية الرافضة دائماً للعمل الجماعي.

*هناك تقارير صحافية تحدثت أخيراً عن أن نظام الرئيس المعزول عمر البشير وفي آخر سنواته بدأت تبرز فيه أصوات مؤيدة للتطبيع، وأن خطوات بدأت في ذلك الاتجاه؟
أنا لست مدافعاً عن النظام السابق، وبالنسبة لي النظام سقط عن طريق اختراقات داخلية وتناقضات داخله، بالتالي من المؤكد أن هناك قوى عميلة داخل النظام وبين الإسلاميين لها دور كبير في إسقاط الدولة الوطنية في السودان لتحل محلها قوى سياسية عميلة عبر شراء قيادات عسكرية وأمنية.

*الآن وفي المرحلة النهائية يتم الحديث عن التوقيع النهائي لاتفاق سلام بين السودان وإسرائيل، هل تعتقد أن العسكر قادرين على تمرير الاتفاق على السودانيين؟
اتفاق السلام بين الكيان الصهيوني والسودان يمكن أن يتم، لكن سيكون معزولاً عن المجتمع السوداني، كما حدث في مصر بعد كامب ديفيد، فلا يزال الشعب المصري محتفظاً بمقاطعته لإسرائيل.

أي معاهدات واتفاقيات لن تكون ملزمة لأي حكومة منتخبة وستلغيها بإرادة الناخبين

وحتى إن تم هذا الأمر في ظل نظام انتقالي غير مفوّض من الشعب السوداني، لن تكون له أي مشروعية سياسية، باعتبار أن الخطوات التي تتعلق بالعمل الخارجي ليست من مهام الفترة الانتقالية التي يجب أن تهتم بمعيشة الناس والاقتصاد، والعمل على الحفاظ على الأمن والسلام، وتهيئة الأوضاع للانتخابات الحرة والنزيهة للوصول إلى نظام انتقالي ديمقراطي. أي معاهدات واتفاقيات لن تكون ملزمة لأي حكومة منتخبة وستلغيها بإرادة الناخبين.

*ما هي خيارات السودانيين مع التطورات الأخيرة؟
أولاً التوعية بطبيعة المشروع الصهيوني، وبعمالة النخب السياسية التي تدير البلاد، والقوى السياسية المتهافتة نحو التطبيع، وواجبنا أن نسعى للتواصل مع كل القوى السياسي والمجتمعي الرافضة للتطبيع للتنسيق معها واستخدام كل الأدوات السلمية للمقاومة.

*لأي سبب أو أسباب تعزو البرود الشعبي تجاه ملف التطبيع؟
من المؤكد أن المشروع الصهيوني نفسه هو مشروع متكامل استهدف تصوراتنا ورؤيتنا للوجود، واستخدم القوة الناعمة في التغيير الثقافي والمجتمعي، وكلها عوامل قادت إلى ما نحن فيه الآن من عدم تفاعل مع القضية. يضاف إلى ذلك تأثيرات العولمة، فيمكن لإسرائيلي أن يقتل فلسطينياً وينشر ذلك على منصات التواصل الاجتماعي، ولو جاء آخر كتب متضامناً مع فلسطين يُعرَّض للحظر وفقاً لمعايير تلك المنصات.

التردي المعيشي العام شغل السودانيين عن كل شيء

كما أن الدولة في الماضي كانت جزءاً من عملية المقاومة والمناهضة وتخدم ذلك الخط، أما الآن فالدولة بكل أجهزتها جزء أصيل من التطبيع. هذا غير شعور السودانيين بالإرهاق السياسي بعد الثورة والصراع السياسي، ولا ننسى التردي المعيشي العام الذي شغل السودانيين عن كل شيء.

*وأين دوركم في ذلك؟
بالنسبة لنا تلك قضية استراتيجية وملف أزلي ولا نستعجل النتائج، نعمل على التجويد والتطوير، سوف نستمر في التوعية.

*ما هي خطتكم المستقبلية؟
همنا الأساسي هو تكوين أكبر جبهة شعبية رافضة للعملية التطبيعية من قوى سياسية وتنظيمات شبابية ولجان مقاومة وطرق صوفية وتيارات إسلامية وزعماء قبائل.

همنا الأساسي هو تكوين أكبر جبهة شعبية رافضة للعملية التطبيعية

*هل قابلتكم أي مضايقات أمنية أثناء نشاطاتكم؟
حتى الآن لا، لكن نتوقع كل شيء لأن كل أجهزة الدولة متماهية مع التطبيع، وأياً يكن لا تنازل من جانبنا مهما كانت المخاطر.

*هل لديكم انتشار في الولايات السودانية؟
نعم، قبل أيام نظّمنا وقفة احتجاجية في مدينة الأبيض، غرب السودان، وفي كل ولاية لدينا فرع.

*كيف تنظر لعملية التسوية السياسية بين العسكر والمدنيين، وإلى أي مدى تساهم في وقف التطبيع؟
ما حدث منذ 11 إبريل/نيسان 2019 هو مخطط لاختطاف السودان، وما يحدث الآن من تسوية أيضاً جزء من عملية الاختطاف تلك، محور التطبيع حاضر فيها بقوة، والبرهان أراد أن يفرض التطبيع على التسوية في وقت صمتت فيه قوى التسوية عن الاعتراض على الخطوات التطبيعية الأخيرة، وغالبية أحزاب التسوية، مثل التجمع الاتحادي

والمؤتمر السوداني، هي مع التطبيع.

*ما هي رسالتكم للسودانيين؟
على الشعب السوداني أن يعي الخطر القائم، ولو أن التطبيع انتصر جزئياً، فعليه أن يتحرك لهزيمته للأبد.

العربي الجديد


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى