السياسة السودانية

الحق والباطل لا يجتمعان – النيلين

سنة من سنن الله أودعها الله في هذا الكون. فالله سبحانه وتعالى وإن هيأ للباطل مناخه، وهيأ له أسباب وجوده وانتشاره في هذه الحياة الدنيا إلا أنه جل في علاه لم يجعله إطلاقا يتحد مع الحق.

لم يجعله إطلاقا يسير جنبا إلى جنب في طريق واحد مع الحق.
فقد يجمع المال بالباطل، وقد يزداد وينمو إلا أن هذا المال الذي نما وازداد على باطل استحالة أن ينصر حقا.
استحالة أن يعين ضعيفا.
استحالة أن يستر مسلما.
إن هذا المال الذي نما على باطل سيسخره الله لأحد أمرين:
إما سخره في صرف باطل لا يفيد.
أو أهلكه الله في مشاريع فاشلة.
أما نصرة الحق أو إقامة معروف استحالة أن ينجح فيها.
فالشاهد أن العمل ونشاطه يقيم بعضه بعضا، فمن وجد في ماله خيرا وإسداء معروف، فليعلم أن ماله هذا مصدره طيب، وإن وجد نفسه لم يوفق في عمل الخير وإن كثر ماله، فلينظر إلى ماله من أين اكتسبه.
إذ أن الباطل لا يخدم الحق كما أن الحق لا يخدم الباطل.
فكما أن من الجمادات ما لا يجتمع في وقت واحد كالماء والجفاف وكالرياح والسكون، فكذلك الحق والباطل استحالة أن يجتمعا.
فإن لم نستطع أن نقيم (الاتفاق الإطاري) الذي يقوم به هذه الأيام المكون العسكري بمشاركة بعض القوى المدنية، فإن لم نستطع أن نقوم هذا الاتفاق فلننظر إلى ما يقدم.
فإن كان ما يقدمه يصب في مصلحة البلاد والعباد، فهذا دليل وإثبات على خيره، وإلا فإنه دليل وإثبات على شره.
* التطبيع مع إسرائيل شر محض ليس في ذلك شك، فإن جاء هذا التطبيع من مرجع فقهي شرعي، فقد يساوره الشك والريبة، فكيف إذا جاء من مرجع سياسي هذا المرجع الذي عرف عنه استغلال المواقف واستغلال الضعف واستغلال الأزمات السياسية، فلا يعرف عن جهة سياسية أوجدت شريعة، فهي أقصى ما تقوم به حماية الشريعة وحراستها أما تبني قضايا دينية، فقطعا ليس هذا مجالها ولا تخصصها، وإن تناولتها فالغرض منها الاستغلال وليس نصرها وقوتها.
من ينصر الدين العلماء وليس الساسة، فلا يوجد دين بلا علماء كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (العلماء ورثة الأنبياء) فإن تدخل الساسة فمن أجل حمايته فقط أما الإفتاء والتطبيع مع إسرائيل وغيرها من القضايا الفقهية العلمية، فهذا شأن العلماء وعلى الساسة حمايتهم دون ممارسة أي ضغوط أو إملاءات عليهم.
*علمانية الدولة فهذا (الاتفاق الإطاري) إذا سلم بعلمانية الدولة، فلا شك أنه باطل يدخل في دائرة الباطل الذي يدعمه بعضه بعضا.
أما إذا يرى هؤلاء أن الموافقة على علمانية الدولة مجرد إرضاء لمن يختلفون معهم، فهم واهمون، فبعد العلمانية مباشرة ستطرح الإباحية، وبعد الإباحية ستطرح الإلحادية وهكذا هلم جرا.
قال الثعلب للديك يوما أنت لا تمارس علي أي إزعاج سوى صوتك هذا الذي ترفعه لنداء الفجر، فإن تخليت عنه نلت رضاي.
ففكر الديك وقال في نفسه مالي ولصياحي كل فجر؟!
فإن كان ترك هذا الصياح يبعد عني شر الثعلب، فلماذا لا أتركه.
فترك الديك الصياح عند الفجر.
وما تمضي إلا أيام قلائل إلا ويأتي الثعلب للديك ويقول له إن تاجك هذا كذلك يضايقني، فلو تخلصت منه سوف أرضى عنك كل الرضى.
ونفذ الديك رغبة الثعلب مادامت هذه الرغبة تبعد عنه شره.
وجاء بعد يومين الثعلب ينظر للديك ويقول له ذيلك أيها الديك.
ذيلك المنفوش هذا الذي لا يشبه أي طائر من الطيور لا يعجبني إطلاقا.
ففكر الديك وقال في نفسه:
بقيت على الذيل؟
لقد تركت الأذان ولقد تخلصت من تاجي الجميل، فلا بأس أن أتخلص من ذيلي إن كانت إزالة هذا الذيل ترضي الثعلب.
وجاءت لحظة الصفر التي يحاول الديك عبثا أن يتجاهلها.
جاءت لحظة الصفر التي لا يملك معها الديك أي خيار سوى الاستسلام لفك الثعلب.
جاء الثعلب للديك الذي فقد صوته وتاجه وذيله، ولسان حاله يقول له ماذا بقي لي شيء أعمله لم اعمله لك أيها الثعلب.
وفي أثناء شرود الديك وتفكيره في الشيء الذي يطلبه منه الثعلب.
قطع الثعلب حبل أفكاره بصوت يجلجل في الآفاق قائلا له أيها الديك لي طلب لا بد أن تجيبه لي.
فقال له الديك في ذل وانكسار نعم أيها الثعلب، فأنت تعلم أنني طائع لك لا أرفض لك طلبا.
فقال له الثعلب أريد منك أن تبيض لي بيضة.
نعم أريد بيضة من بطنك هذه أيها الديك.
حينها أدرك الديك أن الثعلب لا محالة آكله، فقال في حسرة وندم يا ليتني لم أترك الأذان.
فما بين تركي للأذان وطلب الثعلب مني بيضة لم يتجاوز الأسبوع.
* إذا وجدنا بعد التوقيع على (الاتفاق الإطاري) أن الأجنبي يصول ويجول في البلد ولا أحد يستطيع أن يتحرك أو يعمل شيئا إلا بإذنه، فحينئذ يتضح بما لا يدع مجالا للشك أن صفات الخسة والدناءة والغدر كما اتصف بها الأجنبي، فهي قطعا من صميم صفات (الاتفاق الإطاري) وذلك وفقا للسنة الكونية أن الباطل يندمج وينصهر مع الباطل لا ينعزل عنه.
ماذا بقي ل( الاتفاق الإطاري) شيئا آخر يتبناه؟
فإن تبنى (الاتفاق الإطاري)
التطبيع مع إسرائيل.
وتبنى علمانية الدولة.
وتبنى إفساح الطريق للأجنبي من القصر الجمهوري إلى حظيرة الدندر مرورا بتهميش وتغييب مسجد النيلين.
فمن يرجو بعد ذلك خيرا منه فليرج الخير من الشيطان.

محجوب مدني محجوب
صحيفة الانتباهة


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى