السياسة السودانية

هل غادر «شيطان التفاصيل» في رِكابِ «جِّنِ أبي حراز»؟

الجميل الفاضل

“شيطانُ التفاصيل” هو أشهرُ شيطانٍ يتكئ علي جانبهِ الساسةُ، كلما لاح أمامهم شبحُ فشلٍ مُحتمل.

وفي وقت بدأت تتوغل فيه “العملية السياسية” أو قل “التسوية”، في وحَّلِ تفاصيل القضايا الخمسة العالقة الحساسة، المرتعُ المفضل لهذا النوع من الشياطين.

أعلن رئيس الجمعية الروحية السودانية “البكرى أبو حراز”، هجرة معظم الجن من السودان.

وأرجع “أبو حراز”، في تصريح تناقله الناس، هجرة الجن من السودان إلى “سوء الاحوال الاقتصادية”.

بيد أن رئيس الجمعية الروحية السودانية لم يُمطِ اللِثَّامَ عما هجرَ من الجنِ البلاد، وإلي أين ذهبوا، وهل من بين مهاجرة الجن “شيطانُ التفاصيل” الشهير؟

إذ منذ أن دخل الشيطان قاموس السياسة، كرمز دائم و مخلص للشَّرِ، تكفي إشارة صغيرة إليه، لفتح الأذهان علي صور مدمجة في ذاكرة الناس، تعبر عن أنواع شتي من الشُّرورِ، و عن أنماطٍ لا تُحصي من الآثام.

فقد بات هذا الكائن المُتخيل “الشيطان”، مشّجباً يُعلقُ بنو البشرِ، وخاصة السياسيين منهم، جلَّ إخفاقاتهم عليه.

لتبقي صورة الشيطان المرتسمة في الأذهان، صورةً نمطية، صمدية، راسخة، لا تقبل التغيُر، و لا التعديل.. صورة تستهوي الساسة لكي يسقطونها علي خصومهم وأعدائهم متى شاءوا.

فالاقتراب من الشيطان، ناهيك عن التحالف معه، يُعدُّ سبةً بالغة التأثير علي السياسي، تُشكل خطرا كبيرا عليه، تخصمُ من رصيدهِ، كلما صار هو أقرب بسلوكه وتحالفاته إلى صورةِ الشيطان.

المهم فقد جعل الله علي ظهر هذا الكوكب ثقلين “إنس و جان” خرج من كليهما مخرجين، مخرج صالح، و آخر طالح.. الصالح منه هم “أولياء الله”، و الطالح “أولياء الشيطان”.

لينتج مثل هذا الوجود من ثَّمَ، فئتين من الشياطين، فئة نسمعها، ونراها، ونكلمها، ونلمسها، ونشمها، ونعاشرها.. نلدها، وتلدنا، نوآخيها، وتوآخينا.. تسمي “شياطين الإنس” ، وفئة أخري من ورائها ترانا، ولا نراها تسمي “شياطين الجن”.

لتظل من بعد علاقة هذين الثقلين المتحالفين قائمة علي الأرض، لا تنفصم عراها، ترفد بعضها بعضاً، يتبادل من خلالها هذان الثقلان أفانين من الوحي الغروري المزخرف، وحي خبره أهل السودان جيدا، وتجرعوا من كأسه الأمرين علي مدي أكثر من ثلاثين عاما علي الأقل.

القاعدة.. أنه حيثما حَّلَ “أولياء الشيطان” من الإنسِ بأرضٍ، حلت بها كذلك شياطين الجن المعروفة ذاتها، وكلما كثر بأرض الأفاكون، الآثمون، الكذابون، من الإنس تنزلت عليهم، وعلي تلك الأرض التي هم عليها “الشياطين” كذلك.

فقد قال سبحانه وتعالى في محكم التنزيل :

هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) – سورة الشعراء.

فالتحالف الشيطاني بين شياطين الإنس، و شياطين الجن، قادر بغلبتهِ لو أنه تغّلبَ علي “شيطنة الأرض” نفسها، بل وعلي جعلها من ثّم مرتعاً خصبا لشياطين الطائفتين من إنس وجان.

وعلي العكس تماما فإن أي أرض يحل بها “أولياء الله” تحل بها الملائكة، سواء الملائكة الطوافون الذين يجدون مراتعهم في حلق الذكر، أو أولئك المُبشِّرِونَ المُكلَّفونَ بنقلِ البُشاراتِ إلى عباد الله الصالحين، أو الملائكة المُتنزِّلونَ لنزعِ الخوف و الحزَّنِ، ولبسطِ الأمن والطمأنينة، ولتثبيت الحق واليقين تحقيقا لموعُودِ الله لأوليائه، الذين تتولاهُم الملائكة بأمر من الله في الحياة الدنيا، وفي الآخرة.

حيث قال تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) – سورة فصلت.

وبمثلما أن للوجود الصالح نفحات، فإن للوجود الطالح كذلك تبعات.

تبعات تأتي تبعا لكثافة وجود هذا النوع “الشيطاني” علي أرض ما، فالأرض “تتشيطن” تلقائيا، كلما تكاثف عليها الوجود الشيطاني “الإنسي و الجني”، كما أنها “تترحمن” بوجود الربانيين من اولياء الله، وبما يترتب علي وجودهم، من وجود مباشر لملائكة الرحمن علي تلك الأرض.

وبالتالي فإن الأرض التي لا زالت “تتشيطن” تحت أقدامنا، ولعدة عقود، لن تترحمن لمجرد رحيل “الجنُ السفلي” جن ابو حراز، “جن الفاقة والمسغبة”.

بل هي “ستترحمن” فقط عندما نضع نحن أنفسنا “الرحمن” في قلوبنا، مع “الذين قالوا ربُنا الله، ثم أستقاموا”.

وبعد أن نزيحَ محطاتِ ومنصات تَنزُّلِ الشياطين علي أرضنا، من نوع “كل أفاك أثيم”.

المهم فإن تفكيك محطات استقبال هذا النوع من الشياطين المُتنزِّلينَ، وإيقاف رحلاتهم، وإغلاق صالات كبار زوارهم، باتت الآن مهمة حصرية لهذا الجيل الملحمي، الرائع والمرعب.

هذا الجيل الذي أجبر جده “ترهاقا” سلطات “متحف السودان القومي” علي الانصياع لإرادته الدلالية، ولأمر تحركه الرمزي المفاجئ، تزامنا مع دخول الحراك الثوري في السودان لعامه الخامس.

هذا العام الخامس، الذي نُقلَ فيه تمثال العظيم “ترهاقا”، في موكب ملوكي نادر، من هامش المتحف القومي بالخرطوم الي قلبه، لهو عام سيحمل بشريات كبري تشير لقرب وصول حراك ” طلائع أحرار البشرية”، الي ذروته، والي قلب الحدث “الكوني” الهائل المنتظر، علي أرض السودان لا سواه.


المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى