لن تموت البلد من الجوع والفقر ولكنها ستموت إذا فقدت قرارها – النيلين
[ad_1]
بالنسبة للتفاوض مع المليشيا المتمردة وبالتبعية مع من يقف خلفها ويساندها داخليا وخارجيا هناك ثلاثة خطوط حمراء وطنية غير قابلة للتفاوض ولا يمكن النقاش حولها. وهي وحدة البلد واستقلال قرارها السياسي ووحدة المؤسسة العسكرية. الجيش لا يملك رفاهية التفريط في هذه الأمور خاصة بعد التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب السوداني والخسائر التي لحقت به.
لا يُمكن أن نأتي بعد كل هذه التضحيات ونفرط في وحدة البلد أو نقبل بأن يرتهن قرارها للخارج أو بوجود عسكري للمليشيا خارج الجيش. هذه أمور تستوجب أن نسالم أو نحارب من أجلها. ويمكن قبول التفاوض فيما دون ذلك.
الدعم الإقتصادي وإعادة إعمار ما دمرته الحرب هو أحد أهم كروت الخارج للضغط على الجيش والتي تجعل البرهان بالذات يحسب حساب للدول الداعمة. ولكن الدعم الخارجي إذا كان ثمنه التفريط في سيادة البلد أو القبول بعودة المليشيا وحلفاءها إلى السلطة رغم أنف الشعب السوداني، فلا فائدة من هذا الدعم والأفضل لنا أن نحافظ على استقلالنا مع فقرنا وأن نبدأ من الصفر بدو إملاءات. لن تموت البلد من الجوع والفقر ولكنها ستموت إذا فقدت قرارها، و لن تتقدم خطوة واحدة للأمام إذا ارتهنت للخارج وعملاءه في الداخل. ينبغي أن نكون مستعدين لرفض جميع أنواع الترغيب والترهيب مهما كان الثمن الذي سندفعه فهو أقل من فقدان بلدنا وسيادتنا وجيشنا. السلام السيء مثل الثورة السيئة سيؤدي إلى المزيد من تدمير البلد.
في المقابل يجب أن تتحلى الحكومة بالانفتاح والمرونة تجاه الحل الشامل لمشكلة الحكم في السودان ولكن على الأسس الموضوعية السليمة. مليشيا الدعم السريع وحلفاءها ينطلقون من موقف قوة فيما يتعلق بأزمة الدولة السودانية وضرورة إيجاد حل شامل لها. صحيح عندما نقارن بين انتصار الجيش وانتصار المليشيا فلا مجال لقبول انتصار المليشيا وبلا شك لن تكون هناك دولة أساسا في هذه الحالة. المقارنة هنا قطعا لصالح الجيش. ولكن في حالة التفاوض فالوضع مختلف. المليشيا تنطلق من إدعاء أخلاقي وترفع شعارات المظلومية والديمقراطية وكذلك حلفاءها وستعمل على المزايدة على الجيش في هذه النقطة. (دعونا هنا نتجاهل عدم الأهلية الأخلاقية للمليشيا وجرائمها، فهي ترفع شعارات العدالة والديمقراطية والإصلاح وتحاصر بها الجيش). لذلك، فيما يتعلق بالجانب السياسي يجب أن يكون لدى الجانب الحكومي رؤية سياسية فيما يتعلق بحل مشكلة الدولة السودانية موضوعية ومتفوقة على رؤية المليشيا وحلفاءها لقفل باب المزايدات نهائيا.
سواء تعلق الأمر بالحوار وشمول المشاركة بما يعبر عن إرادة السودانيين بشكل حقيقي أو بالقضايا المطروحة والانفتاح على الحلول وتقديم التنازلات. ففي النهاية إذا كانت الرؤية وطنية وسليمة فلن تكون التنازلات إلا لمصلحة الشعب السوداني وليس لمصلحة فئة أو مجموعة ناهيك عن مصالح جهات خارجية.
الجيش السوداني ومن وراءه الشعب السوداني قدموا تضحيات هائلة أرتال من الشهداء ومعاناة وصبر، يجب أن تكون هناك رؤية سياسية توازي هذه التضحيات. رؤية لحل أزمة الحكم في السودان لمصلحة الجميع. وبقدر انفتاحنا وتقديم التنازلات من أجل المصلحة الوطنية يجب أن نكون أيضاً جذرين وحادين جداً تجاه من يهدد المصلحة العامة أو يجيرها لمصحلته الضيقة. وأعني بذلك بوضوح المليشيا وحلفاءها في قحت؛ لا مجال لتقديم أي تنازلات لمصلحة هذه الفئة على حساب الشعب السوداني حتى لو استمرت الحرب. كل ما علينا فعله هو صياغة المصلحة الوطنية وطرحها بشكل واضح وقوي والتفاوض على أساسها، وعلى أساسها هي فقط وأيضا القتال على أساسها.
سيقع الجيش في خطأ استراتيجي إذا قدم التنازلات الخطأ للأطراف الخطأ. وسيخطيء بشكل مضاعف إذا استمر في لعب نفس الدور الذي يصوره فيه أعداءه؛ كحارس للدولة القديمة بأخطاءها المورثة المتراكمة وتعامل بضيق أفق مرة أخرى واستعجل وقف الحرب بصيغة ترضي الخارج وبعض الحمقى الذين يرددون لا للحرب وتجلب الدعم الإقتصادي ولكنها تبقي على المليشيا وعلى حلفاءها وتعيدنا لنفس الوضع السابق لبلد بلا سيادة وبلا جيش تحكمه حفنة من الخونة والعملاء. ذلك وضع أفضل منه الحرب.
حليم عباس
مصدر الخبر