السياسة السودانية

تخيل عزيزي القارئ لو قرر مجتمع المنظمات في السودان وفي العالم أن يلتفت لانتهاكات مليشيا الدعم السريع

كنت اقرأ عن فعالية خطاب الحقوق والمظلومية والانتهاكات حين تُقرر منظمات المجتمع المدني أن مصالحها تكمن في نشره وترويجه، حينها ستقدم دعايات فعالة بغض النظر عن الواقع الحقيقي، وقد تصنع الانتهاكات وتنشر خطاب عاطفي جياش حولها، خطاب بلا سياسة ولا أفكار يُبسط الحس الأخلاقي ويركز على التلفزيون والصورة فقط، وقد تجد نجوم الشهرة والفن والرياضة يتكالبون نحو تبني الخطاب من أجل زيادة الشهرة طبعا.

ذات مجتمع المنظمات وقواه السياسية الداعمة حين لا تكون من مصلحته توجيه الكاميرات ولفت الأنظار نحو الانتهاكات والفظائع التي تحدث في الواقع الحقيقي، فإنه سيتصرف وكأن شيء لم يحدث، وقتها لن يقف هذا المجتمع مكتوف الأيدي بالطبع فعقيدته تقوم على العمل take action ولا تقوم على الفهم understanding، سيتحرك حينها نحو نشر حقائق مضللة أو استخدام تعابير تصرف النظر عن واقع الانتهاكات أو يبدأ في حملات مناصرة تضمن له مصالحه والأمثلة واضحة جدا أمامكم:

مفاهيم مثل الحرب الأهلية وانهيار الدولة ووصف الحرب بأنها بين طرفي نزاع أو جنرالين عسكريين وأخيرا حملة لا للحرب. كل ما سبق هو خطاب لمجتمع المنظمات هنا بتوجيه من الممولين الخارجيين، ربما ستجد قلة محددة تلتزم بالنزاهة ولكنها بالطبع لن تجد التمويل الكافي ولن تتحمل الضغوط، فالتمويل هو الفيصل النهائي وصاحب الكلمة الأخيرة.

تخيل عزيزي القارئ لو قرر مجتمع المنظمات في السودان وفي العالم أن يلتفت لانتهاكات مليشيا الدعم السريع، يا إلهي ستكون موجة عالية، رهيبة وضاغطة لهذه المليشيا، فكل قوائم الانتهاكات التي يحلم بها الناشطون قد تحققت عمليا:

تجنيد الأطفال، ترويع المدنيين، العنف السياسي، اعتقال مدنيين، نهب، قتل ممنهج، اغتصابات وعنف ضد النساء وذوي الاحتياجات وكبار السن، احتلال للمنازل والمستشفيات، استهداف للمدنيين، جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية…الخ بل وبحكم طبيعة الدعاية والاستغراق العاطفي في وصف الانتهاكات ستتجاوز هذه المنظمات حدود الواقع مهما بلغ من السوء.
المليشيا إذن قدمت قائمة يحلم بها كل ناشط حقوقي أو داعية لحقوق الإنسان ومعها الصور والفيديوهات، إنها قائمة شهية تكفي لعمل حملة ضخمة على نمط (save darfur) والتي دعمها مجتمع المنظمات في ذلك الوقت، ولكن مجتمع المنظمات اليوم لن يضغط ولن يقوم بالمناصرة الكافية والسبب هو أن الانتهاكات تأتي من مليشيا الدعم السريع، ولا مصلحة له في عداء مليشيا الدعم السريع الحليف العسكري لقوى الحرية والتغيير.

تخيل عزيزي القارئ لو كانت قائمة هذه الانتهاكات تأتي من الجيش السوداني. كيف كان مجتمع المنظمات غير الحكومية سيتصرف؟

الإجابة هي: كان سيناضل بقوة من أجل الحقوق، وسيطلب الدعم العاجل والتدخل الفوري، سينشر موجة دعاية وحملة لا قبل لأحد بها، كل كاميرات الCNN و الBBC وغيرها ستتحدث عن أكبر مأساة في العالم حاليا، سترى بكائيات ووقفات وحملات في كل أوروبا وأمريكا. المؤسف إذن بالنسبة لهؤلاء أن قائمة الانتهاكات شهية حقا لكن من قام بها حليفهم للأسف. إن غياب النزاهة والاستقلال والسيادة في هذا العالم بات هو السائد، ومجتمع المنظمات المحلية هنا مجرد أداة عند أسياده الخواجات، أولئك الذين كانوا قديما وراء البحار ولكنهم اليوم في مراكز داخل أفريقيا بل وداخل السودان.

ولكن ورغم هذا الازدواج السيء في المعايير إلا أن عدم دخولهم في الحملة والدعاية هو خير كثير للبلاد، فالجميع يعلم انتهاكات الدعم السريع والعالم لا يستطيع الإنكار، أما تدخل هؤلاء الخونة لن يضيف لنا شيئا بل سيعقد الأمور، فهم لا يتورعون عن استخدام أقصى درجات التطرف من أجل منح الحرب أي بعد مُضلل، سيحولون الحرب من تمرد لصراع عرقي وسيركزون على دور الضحية، ويصوروننا كضحايا فاقدي الحيلة مستضعفين، مثل ما فعلوا مع رواندا وجنوب أفريقيا وغيرها، فالسياق ليس مهما ولا السياسة. نحن لن نقبل ذلك بالطبع، فنحن في حرب معقدة خسرنا فيها الكثير لكننا نستطيع النهوض والتقدم بعد النصر، والعشق المرضي لدور الضحية لا يشبهنا.

إن مجتمع المنظمات هذا لو تدخل في الأمور وقاد الدعاية سيزرع بذور فتن ويعيق حلول ناجعة مدخرة لما بعد الحرب، وسيوسع الشقة بين السودانيين. فدعوهم فلا حاجة لنا بهم، وليذهبوا نحو نيروبي وكمبالا وأديس أبابا وهناك في عواصم الغرب، نتمنى لهم أياما سعيدة وحياة هنيئة بعيدا عن السودان.

هشام عثمان الشواني


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى