السياسة السودانية

موعظة في الخروج مرغماً عن الديار – النيلين

*موعظة في الخروج مرغماً عن الديار*
*﴿.. وَاللَّهُ خَيرٌ وَأَبقى﴾*

يحكي لنا القرآن عن قصة تلك المراة التي أخرجوها من بيتها تاركةً ثيابها الأنيقة، حُلٍيّها الذهبية الثمينة، أغراض زينتها التي اختارتها بعناية، وأوانيها الفضية التي لكل قطعة منها مكانٌ في قلبها، أُخرِجت تاركة ذكرياتها وعمراً من حياتها، أُخرجت دون أن تودع بيتها الذي كلَّ جزءٍ منه وهبَتهُ جزءاً غالياً من روحها ..

تُرى هل ستعود لبيتها وأشياءها أم لن تعود؟!

ثمّ هناك في عرض الصحراء، أيقنت أنّه ما من عودة، فقد أُخرجت لتُقتل..
رغم عظم البلاء ومرارته،
ما صاحت ولا ناحت
ما تجزّعت و لا تسخّطت
بل بكل الإيمان والرضا قالت قولتها الخالدة، التي ظلت قُرءاناً يتلى إلى يوم القيامة
*﴿..رَبِّ ابنِ لي عِندَكَ بَيتًا فِي الجَنَّةِ وَنَجِّني مِن فِرعَونَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّني مِنَ القَومِ الظّالِمينَ﴾*
نعم هكذا بكل بساطة!! بَيتًا في الجنة وليس قصراً

هل تعلم أن هذة المراة هي *اسيا بنت مزاحم* زوجة *فرعون* ملك و جبار زمانه
ما كان يهمها قصرها، بل كل همها ألّا تلقى الله بعملٍ لا يرضاه *{..وَعَمَلِه..}* لا تهمها النجاة من القتل بقدر ما يهمها النجاة من أعمال فرعون الخبيثة وكفره وفتنته، والنجاة من فتنة كل ظالم *{..وَنَجِّني مِنَ القَومِ الظّالِمينَ}*

ثمّ رغم ما يعنِيه البيت للأنثى وعمق ارتباطها بتفاصيله، حين فقدته أيقنت
أنّ *”ما عند الله خير وأبقى”*
بل أدركت أنّ *”الله خيرٌ وأبقى”*
فما قالت ابن لي بيتاً عندك، بل قدّمت “عندك” على “بيتاً” ، لا تريد الجنّة فقط، بل تريد أعظم مافيها -مجاورة الله- ،

ما قالت ابن لي قصراً (وقد كان بيتها قصرا) ، بل قالت بيتاً، فالقصر يعني الماديّات، والبيت يعني الروح والدفء والسكن، كانت تريد المعاني لا المباني،

فبتَساميها على أقسى ما يمكن أن تعانيه الأنثى من فقد بيتها ومافيه، والظلم والتعذيب من أقرب الناس إليها -زوجها الذي كانت تظنه أمانها وحِمَاها- ، ثمّ مقابلة هذا البلاء العظيم بإيمانٍ أعظم، بإحسان عجيب و هدوءٍ أعجب، استحقّت أن تكون مثلاً ليس فقط للمؤمنات، بل حتى للمؤمنين، أن تكون بإيمانها امرأة كاملةً -كما في الحديث-، امرأةً يقتدي بها الرجال.
*”رَبِّ ابنِ لِي”* .. بيتا الله -جل في علاه- هو من سيبنيه لك، بالله هل ستحزن بعده على بيتك في الدنيا ولو كان أعظمَ قصرٍ بالأرض!!

*ربّنا* كل من أُخرِجُوا في هذه الحرب من بيوتهم أو أُوذُوا فيها بالتخريب والنهب، ابن لهم *”عندك بيتا في الجنة”*

اللهم إبدل كل من فقد أثاثاتهم وفرش بيوتهم :
ب *{..سُرُرٌ مَرفُوعَةْ}* *{..سُررٍ مَوضُونَةٍ}*
و *{وَنَمارِقُ مَصفوفَةٌ*وَزَرابِيُّ مَبثوثَةٌ}*
ابدلهم ب *{..فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِن إِستبرق..}*
و *{..رَفرَفٍ خُضرٍ وَعَبقَرِيٍّ حِسانٍ}*
و أبدل ثيابهم ب
*{..ثِيَابَاً خُضرَاً مِن سُندُسٍ واستَبرَقٍ..}* و *{..حَرِيرَا}*
وعن أوانيهم:
*{بِآنِيَةٍ مِن فِضَّةٍ وَأَكوابٍ كانَت قَواريرا * قَواريرَ مِن فِضَّةٍ..}* و *{..صِحَافٍ مِن ذَهَبٍ..}*
وعن حُلِيّهم:
*{..أَسَاوِرَ مِن فِضّةٍ..}* و *{..أَسَاوِرَ مِن ذَهبٍ وَلُؤلُؤاً..}*

*ربنا،* وإن أخرجونا من بيوتنا،
فثبّتنا وأعِنا علي أن لا يُخرِجوا الإيمان من قلوبنا،

*ربنا،* وارزقنا أعظم النجاة، النجاة من عمل العُصاة الظالمين،
*إلهي،* إن ما فارقنا بيوتنا بالحرب، فسنفارقها بالموت، فلا تجعل الدنيا أكبر همنا،
*إلهي،* مهما عظُم فقدنا، فنسألك ألا نفقد معنى أنّ *{..الله خَيرٌ وَأَبقَى}*

د. عبد المحمود النور

عبد المحمود محمود
عبد المحمود النور


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى