السياسة السودانية

تحركات مصرية على أكثر من مسار في الملف السوداني

على مدار الأيام الماضية، تعددت أشكال التحركات المصرية على صعيد ملف الأزمة السياسية في السودان، وتركزت على هدف رئيس هو حصار النفوذ الإثيوبي هناك، وتقوية موقف أطراف سودانية تكون بمثابة داعم للمصالح المصرية، سواء في ما يتعلق بالأزمة في السودان أو بملف سد النهضة الإثيوبي.

لقاءات سودانية مصرية في القاهرة

وفي هذا الصدد، كشفت مصادر سودانية في القاهرة، في أحاديث خاصة لـ”العربي الجديد”، أن لقاءً جرى في العاصمة المصرية خلال الأيام الماضية، ضم محمد طاهر إيلا، آخر رئيس للوزراء في عهد الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، وصلاح قوش رئيس جهاز الأمن السوداني السابق، وهما الرجلان اللذان تستضيفهما القاهرة منذ سقوط نظام البشير، ورفضت تسلميهما في أكثر من مناسبة.

وأوضحت المصادر السودانية أن اللقاء ضم إلى جانب قوش وإيلا، مسؤولاً مصرياً رفيع المستوى معنياً بالملف السوداني، وقد جرى بحث مسارات التحرك المصري، سواء على مستوى ملف أزمة سد النهضة ومواجهة “التعنت الإثيوبي”، أو على مستوى الأزمة السياسية في السودان.

وتعتبر القاهرة أن الأزمة السياسية في السودان هي البوابة الرئيسية التي يجب سدها في وجه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، بل وتحسين إداراتها بالشكل الذي يجعلها ورقة ضغط ضده وليست ورقة في يده يراوغ بها.

تعتبر القاهرة الأزمة السياسية في السودان البوابة الرئيسية التي يجب سدها في وجه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد
وقال مصدر سوداني اطلع على كواليس اللقاء إنه “جاء على ما يبدو بتوافق جرى بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان الذي توقف في القاهرة في طريق عودته من نيويورك إلى الخرطوم، عقب مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة”.

عودة محمد طاهر إيلا إلى السودان

وعقب هذا اللقاء، عاد محمد طاهر إيلا إلى السودان وسط حشد من أنصار حزب “المؤتمر الشعبي”، الذين استقبلوه في مشهد احتفالي بمطار بورتسودان بشرق البلاد.

وأكد المصدر الذي تحدث لـ”العربي الجديد”، أن عودة إيلا “جاءت في إطار تفاهمات وضمانات مصرية بعدم ملاحقته، إذ إنه يواجه اتهامات وبلاغات قانونية منذ هروبه من السودان في أعقاب الإطاحة بالبشير”.

ويمثل إقليم شرق السودان الذي يتمتع فيه إيلا بثقل كبير، أهمية قصوى، خاصة لناحية نقاط التماس التي يمكن أن يتم فيها التنسيق مع “جبهة تحرير شعب تيغراي”، التي تخوض معارك ضارية ضد قوات الحكومة المركزية الإثيوبية في إقليم تيغراي بشمال البلاد.

وفي مقابل التحركات المصرية الرامية لتقوية موقف البرهان ودعم مسارات التحرك ضد الحكومة الإثيوبية، واصلت القاهرة تحركاتها الرامية لاختراق معسكر القوى المدنية و”قوى إعلان الحرية والتغيير”، وهو الملف الذي تواجه فيه مصر أزمة كبيرة، بحسب سياسي مصري شارك سابقاً في وفود دبلوماسية وشعبية نظمها جهاز المخابرات العامة المصري.

وفي هذا الإطار، كشف قيادي سياسي سوداني يتنقل ما بين القاهرة والخرطوم، ومطلع على المشاورات الخاصة بحل الأزمة السودانية، أن وفداً أمنياً مصرياً زار الخرطوم في أعقاب اللقاء الذي جمع السيسي والبرهان في القاهرة، وكانت مهمة الوفد الرئيسية، بحسب المصدر، تتمثل في عقد لقاءات مع قادة الطرق الصوفية، في ظل ما تمثله من رقم مهم في معادلة الداخل السوداني.

عودة إيلا إلى السودان جاءت في إطار تفاهمات وضمانات مصرية بعدم ملاحقته
وبحسب السياسي السوداني، فإنه “على الرغم من لقاء الوفد ببعض القيادات البارزة بالطرق الصوفية في السودان، إلا أن هناك معوقات حالت دون إتمام كافة اللقاءات التي كانت على أجندة الوفد مع أطراف سياسية مدنية أخرى”.

ومطلع أغسطس/ آب الماضي، أُطلقت مبادرة في السودان تحت اسم “نداء أهل السودان” برعاية الزعيم الديني الصوفي الشهير الطيب الجد ود بدر، في محاولة لإنهاء الاضطرابات السياسية في البلاد.

وفي الثالث عشر من أغسطس الماضي، انعقد أول مؤتمر للمبادرة، بمشاركة ما يقرب من 120 حزباً سياسياً، وعدد كبير من قادة الطرق الصوفية وزعماء القبائل، فيما غابت عن المؤتمر “قوى الحرية والتغيير” وكذلك لجان المقاومة.

وأخيراً، أعلن المجلس الأعلى للتصوف رفضه لموقف الآلية الثلاثية التي تضم البعثة الأممية والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، باختيار ممثلين للطرق الصوفية بصفة مراقبين في الحوار السوداني – السوداني من أجل التوافق الوطني على إدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية.

كما أكد المجلس في بيان له، رفضه “تجاوز الآلية لدورها” كميسر للحوار من جوانبه الفنية، من دون التدخل في اختيار أطرافه وتحديد أوزانهم. وأشار المجلس إلى رفض ما سماه “السلوك المتطفل الجهول بأحوال السودان، الذي ظل التصوف حاضراً فاعلاً في قضاياه الوطنية كافة عبر تاريخ الدولة الطويل”.

من جهته، قال دبلوماسي مصري سابق، خبير في الشؤون الأفريقية، لـ”العربي الجديد”، إن “حرص القاهرة الدائم على الحفاظ على علاقات قوية مع السودان يأتي من أمرين أساسيين؛ أولهما مرتبط بالأمن المائي، إذ تسمح العلاقات بين البلدين بالتنسيق الدائم في هذا الملف على رغم الأزمات الداخلية التي يعاني منها كل بلد. والأمر الآخر مرتبط بأمن الحدود، وضمان عدم تحول السودان إلى مصدر تهديد لمصر من خلال احتضانه لعناصر متطرفة”.

وأشار المصدر إلى أنه “انطلاقاً من هاتين القضيتين، يمكن أن تكون قد بنيت المحادثات التي أجراها البرهان في القاهرة مع السيسي”، بالإضافة إلى “بحث وسائل دعم البرهان داخلياً”.

وأوضح الدبلوماسي السابق أن “تنسيق الخرطوم مع القاهرة في الملفات والقضايا المختلفة وعلى رأسها قضية مياه النيل، يأتي أيضاً من حرص الخرطوم على مصالحها، بعدم السماح لإثيوبيا بزيادة قوتها الإقليمية على حساب السودان الغارق في المشاكل الداخلية، ولا سيما مع انشغال العالم بالحرب الروسية الأوكرانية، وخاصة أميركا، التي فشل مبعوثوها للقرن الأفريقي في تحقيق أي اختراق في الأزمات التي تعيشها المنطقة وعلى رأسها مشكلة سد النهضة، والحرب في إثيوبيا، وهو ما يرجح إمكانية انفلات الموقف إقليمياً بما يضر بالسودان”.

ولفت المصدر إلى أن “تنسيق الخرطوم مع القاهرة حول سد النهضة، وغيرها من القضايا، يضمن للسودان القدرة على مواجهة إثيوبيا وبخاصة في مسألة النزاع الحدودي في مناطق الفشقة”.

العربي الجديد


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى