السياسة السودانية

جهود حل الأزمة السياسية في السودان تواجه ضغطا شعبيا رافضا

شكّل تصاعد وتيرة التظاهرات الاحتجاجية في السودان خلال الأسبوع الماضي، بمشاركة الآلاف في العاصمة الخرطوم وعدة مدن أخرى بالبلاد، في ذكرى ثورة 21 أكتوبر (تشرين الأول) 1964، ومرور عام على انقلاب قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان الذي يصادف في الـ 25 من الشهر ذاته، عامل ضغط كبيراً يرفض مفاوضات التسوية السياسية التي جرى الإعلان عن قرب التوصل إليها، ويطالب بضرورة إسقاط الانقلاب وعودة الحكم المدني الديمقراطي، ورجوع العسكريين إلى الثكنات من دون مساومات أو تسويات، وذلك في ظل حالة سخط شعبي عام من استمرار حالة الانسداد وعجز القوى السياسية عن التوصل إلى حل سياسي للأزمة المستفحلة منذ أكثر من عام، فهل يفرض الحراك الجماهيري المترافق مع حالة الغضب العام إزاء حالة التدهور الكبير في أوضاع البلاد الأمنية والاقتصادية، وتوالي الضغوط الدولية، معادلات جديدة تبعثر أوراق الحلول والتسويات للأزمة السودانية مرة أخرى، وتعيد ترتيبها من جديد؟

حل سياسي لا تسوية

في السياق، صرح نور الدين بابكر، القيادي بائتلاف الحرية والتغيير (المجلس المركزي) الناطق الرسمي باسم “حزب المؤتمر السوداني”، لـ “اندبندنت عربية”، أن “ما نتحدث عنه هو حل سياسي وليس تسوية وهذه الآلية تجد توافقاً داخل الحرية والتغيير وخارجها إذا ما أفضت إلى تحقيق الأهداف المرجوة منها وهي إنهاء الانقلاب واستعادة المسار المدني الديمقراطي وخروج المؤسسة العسكرية من السياسة”.
ونفى بابكر أن تكون قوى الحرية والتغيير قد اطلعت على رد المكون العسكري الذي سلمه إلى الآلية الثلاثية بشأن موافقته على مقترح دستور المحامين، بيد أنه توقع أن يكون دور المؤسسة العسكرية محل خلاف، باعتبارها المسألة المفصلية التي تعتبرها قوى الحرية والتغيير قضية مركزية يجب أن تُحسم من أجل حماية الانتقال ووضع السودان على طريق التحول المدني الديمقراطي.
وأكد القيادي في “الحرية والتغيير”، أن “خروج السودانيين والسودانيات في يومي 21 و25 أكتوبر الحالي وبعدهما، في مثل تلك التظاهرات الضخمة، يؤكد على رفضهم الانقلاب وتجديد عهدهم بمقاومته حتى أسقاطه، ومن ثم استكمال مهام ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018 المجيدة”.

تنوع الأدوات

وترى “قوى الحرية والتغيير” بحسب بابكر، أن “لا تعارض بين خطوات التصعيد والضغط الجماهيري ومسار الحل السياسي، بل على العكس فإن تنوع الأدوات قد يسهم بصورة أكبر في محاصرة الانقلاب وتغيير موازين القوى تدريجاً لمصلحة القوى المدنية”. وأضاف بابكر، أنه “منذ فجر انقلاب 25 أكتوبر نجحت قوى الحرية والتغيير بفرض عزلة دولية على الانقلاب من خلال التواصل المستمر مع المجتمع الدولي، كما أن المقاومة الشعبية لعبت الدور الرئيس الذي قطع الطريق أمام أي ادعاءات بأن للانقلاب مؤيدين، مما جعل المجتمع الدولي ينحاز إلى خيارات الشعب السوداني وفرض ضغوط على الانقلابيين لتسليم السلطة للمدنيين من دون شروط”.
وعما أضافته التظاهرات إلى موقفهم من التسوية السياسية المعلنة على أساس الدستور المقترح من اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، اعتبر المتحدث ذاته أنه “من المبكر الحديث أو القول إن جهود الحل السياسي اكتملت، لأن الاختراق الوحيد الذي حدث في الفترة الأخيرة كان قبول المؤسسة العسكرية باقتراح الدستور الانتقالي المقدَم من لجنة تسيير نقابة المحامين كأساس لدستور الفترة الانتقالية، غير أن هذا المقترح أيضاً يحتاج إلى تطوير ونقاش مع مختلف قوى الثورة وصياغة إعلان سياسي يوحدها حتى تمضي نحو إدارة الفترة الانتقالية وفق أهداف واضحة ومحددة تمهد الطريق للتحول وتنهي الفترة الانتقالية بانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها السودانيون مَن يحكمهم”.

“التضحية” بالإسلاميين

وفي معرض تعليقه على قرار مصادرة عقارات وممتلكات “حزب المؤتمر الوطني” المنحل، لمصلحة حكومة السودان، اعتبر بابكر، أن “الفريق البرهان يقدم بذلك الإسلاميين ككبش فداء مرةً أخرى، بعد التقارب الكبير الذي حدث بينهم عقب الانقلاب، لكن الرفض الشعبي الواسع له ولعودة النظام البائد قطع الطريق أمام كل ذلك، ما جعل قائد الجيش يقدمهم ككارت هو في الواقع محترق وغير مؤثر، إذ إن المساومة بعودة النظام البائد لم تعد خاسرة فحسب، بل من شأنها أن تضعف موقف البرهان أكثر مما هو عليه الآن”.
في السياق، سخر القيادي الإسلامي، في حزب “المؤتمر الوطني”، أمين حسن عمر، من قرار مصادرة عقارات وممتلكات الحزب. وكتب في حسابه على “فيسبوك”، “لسنا معنيين بما تمت مصادرته، لكن ما لم ولن تستطيعوا مصادرته هي الفكرة، التي لن تملكوا لاقتلاعها قوة ولا ماكينة، هي شجرة أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء”.
من جانبه، أوضح نائب رئيس “حزب الأمة القومي”، الفريق صديق محمد إسماعيل، أن “مشروع التسوية الذي وافق عليه المكون العسكري لا يخاطب جذور الأزمة الوطنية، كما لا يُفضي إلى انتقال سياسي”، معتبراً أن “التسوية الناجحة ينبغي أن تخاطب الشارع الثوري وتحقق مطالبه”. وأكد إسماعيل خلال مؤتمر صحافي نظمته “حركة الإصلاح والتنمية”، على “قدرة الأحزاب على الجلوس مع بعضها البعض لتحقيق تسوية سياسية شاملة”، مشيراً إلى أن “الثورة تعرّضت للاختطاف من قبل القوى الحاكمة”.

رسائل ثورية

على صعيد متصل، وصف الأكاديمي والباحث السياسي، محمد عبدالله الربيع، التظاهرات الكبيرة الأخيرة بأنها شكلت “رسائل قوية لكل من تحالف قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري، وكذلك للوساطتين الرباعية والثلاثية، مفادها أن التسوية التي بدأت لا تحقق مطالب الشارع المتطلع إلى حكم مدني كامل وانسحاب تام للجيش من الحياة السياسية”.

ما صدقية البرهان بتسليم السلطة للمدنيين في السودان؟
وأضاف الربيع أن “لجان المقاومة وقوى الشارع الثورية، أثبتت قدرتها الجبارة على الصمود وإصرار القوى على عودة مسار الانتقال الديمقراطي وكامل السلطة إلى المدنيين، على رغم الإجراءات الأمنية والقمع العنيف للتظاهرات، إذ قدمت حتى الآن حوالى 120 شهيداً من المتظاهرين الثوار قضوا خلال الحراك الجماهيري، من دون أن يثنيهم ذلك عن مواصلة التظاهر حتى اليوم”.

وأشار الباحث السياسي السوداني إلى أن “صمود الشارع أربك المكون العسكري الذي يقود البلاد في الذكرى الأولى للانقلاب، ووضعه وجهاً لوجه أمام الرفض الشعبي لأي محاولة لاستمراره في السلطة وممارسته السياسة، فضلاً عن الدعوات التي انطلقت في هذه المناسبة من قوى دولية كبرى عدة تطالب صراحةً بإنهاء الانقلاب، ما يضعف محاولات الجيش تحقيق مكاسب يسعى إليها عبر قبول التفاوض بعدما كان قد أعلن انسحابه من الحوار”.

ولفت الربيع إلى أن “رفض القوى السياسية الفاعلة على رأسها لجان المقاومة والحزب الشيوعي، وحزب البعث، التفاوض مع المكون العسكري، متماهيةً مع موقف الشارع الثوري، يضع حداً لطموحات المكون العسكري الذي يتطلع للوصول إلى تسوية سياسية يحصل فيها على بعض الضمانات والحصانات التي تتعارض مع مطالب الشارع”.
ولم يستبعد الباحث السياسي أن “يقدم قائد الجيش تحت ستار استحالة توصل القوى السياسية إلى توافق، على تشكيل حكومة مدنية من التكنوقراط، كمحاولة لإنهاء حالة الفراغ الدستوري والتنفيذي بالبلاد، لتصحيح الأخطاء المتراكمة منذ الانقلاب، مع حفظ حق الحركات الموقعة على اتفاق السلام، وربما يتم ذلك بتفاهمات وضوء أخضر من بعض القوى الدولية الفاعلة في ملف الأزمة السودانية”.

وضع استثنائي

من جانبه، قال الأمين العام للحزب الجمهوري، حيدر الصافي، لـ “اندبندنت عربية”، إن “الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلاد يستدعي إتاحة مشاركة حقيقية من أكبر قطاعات ممكنة فالأزمة يعيشها السودان كله”. ورأى الصافي أنه “كان على الأحزاب والقوى السياسية كي تنال ثقة الشعب، النأي بنفسها عن المشاركة في السلطة التنفيذية للفترة الانتقالية والاكتفاء بالدور الرقابي”، مشيراً إلى أن “وضع التآكل الراهن الذي تمر به البلاد يضع كل القوى السياسية أمام امتحان أخلاقي قبل أن يكون سياسياً تجاه وطنهم”.

أما عن مقترح الدستور الانتقالي لنقابة المحامين، فقال الصافي، “ليس هناك دستور من دون سلطة تأسيسية، فضلاً عن أن طول اليد الأجنبية في موضوع الدستور سيلقي بظلاله على حكومة مقبلة”.

توالي الجهود والضغوط

إلى ذلك، بحث رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس، مع السفير السعودي بالخرطوم، علي بن حسن جعفر، الجهود الدولية لدعم الحوار بين المكونات السياسية السودانية وأصحاب المصلحة للوصول لحلول للأزمة السياسية الراهنة. وكان الاتحاد الأوروبي وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وهولندا والنرويج وكوريا الجنوبية وإسبانيا والسويد وسويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أكدت دعمها المستمر والموحد، لاتفاق شامل يفضي إلى تشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية في السودان.

وشددت تلك الدول في بيان مشترك، على “الحاجة الماسة إلى الاتفاق لاستعادة الانتقال الديمقراطي ومنع المزيد من التدهور في الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في السودان”.
كما طالب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، السلطات السودانية بتسريع إنهاء التحقيقات الجارية عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في أعقاب انقلاب 25 أكتوبر

وحض مكتب المفوض في بيان، السلطات العسكرية على التعجيل بالتحقيقات الجارية حول الانتهاكات المرتكبة في إطار الامتثال الكامل للقواعد والمعايير الدولية ومحاسبة جميع من تثبت مسؤوليتهم عن ذلك.

ومنذ أسبوعين دخلت قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، والمكون العسكري في مفاوضات سهلتها “الآلية الثلاثية” التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة “إيغاد”، إلى جانب اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات)، الداعمة لجهود الآلية الثلاثية.

ويعيش السودان أزمة سياسية مستعصية وفراغاً دستورياً وتنفيذياً من دون رئيس للوزراء، منذ الانقلاب العسكري في 2021، الذي أطاح بالشراكة مع المدنيين وحكومة عبدالله حمدوك وحكومات الولايات، وعطل أجهزة الفترة الانتقالية ومؤسساتها.

جمال عبد القادر البدوي
إندبندنت عربية


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى