السياسة السودانية

انتخابات نقابة الصحفيين السودانيين: حساب الحقل وحساب البيدر..!

 عبدالله رزق أبوسيمازه

من غير المرجح أن يكون اختلاف البرامج وتمايزها،هو العامل الحاسم في تقدم قائمة على أخرى ،وانتصار قائمة ،وهزيمة اثنتين،في انتخابات نقابة الصحفيين ،التي جرت نهاية الشهر الماضي، وفي ظل وضوح المطالب النقابية ،وتوافق الجميع حولها، وتبعاً لذلك، بدت الدعاية الانتخابية لكل القوائم متواضعة،كما بدا الخطاب الانتخابي فقيراً، في عمومه.تعود جذور التوافق الضمني ،المشار اليه، إلي أن المجموعات المتنافسة كانت،فيما مضى، كُلاً موحداً تحت مظلة شبكة الصحفيين، التي نسقت نضالاتها في مواجهة نظام البشير المقبور، منذ تاسيسها عام 2008،دفاعاً عن حرية الصحافة وحقوق الإنسان. ثمة عامل آخر ،كان له أثره الكبير في تَعيِين مستوى الصراع الانتخابي، وتَميُّز خطابه ،ودرجة حرارته،هي غياب المنافس ،والخصم السياسي،الرئيس،ممثلاً في الإنقلابيين ( قوى الردة وفلول النظام المقبور).

وفي سياق تقصي وتأشير عوامل الفوز والإخفاق، التي تقاسمتها حظوظ المجموعات الثلاث ،.يمكن الافتراض،ابتداءً، أن الشيوعيين،العمود الفقري للشبكة، كانوا غير قادرين على إكمال القائمة الأربعينية، بعناصر كفؤة، قادرة على المنافسة،وفي هذا الإِطار يمكن التقرير بأنه ليس ثمة ما يؤكد أن تضمين القائمة 16 مرشحاً غير مؤهل للترشيح،هو أمر غير مقصود، ما يُعَضِّد الفرضية السابقة. فهو لايَنُم عن جهل أو عدم معرفة بشروط الترشح المنصوص عليها في النظام الأساسي،من قبل الشبكة، ومن قبل مرشحيها، أنفسهم. كما أن بعض الأسماء المضمنة في قائمة الشبكة، لا تتوفر على مزايا مهنية أو نقابية أو كاريزمية، في حين تلعب المواصفات الشخصية للمرشحين،واستعدادهم الطبيعي لخدمة الآخرين،دوراً مهماً وحاسماً في الانتخابات النقابية. يعزز ذلك فرضية أن الشبكة ربما كانت ترتب للانسحاب كخيار متقدم،خاصة بعد إثارتها الاعتراض على ترشح أعضاء من اللجنة التمهيدية، واعتبرته نقضاً للنزاهة وقيم العدالة والشفافية. ومع ذلك، فإن الشيوعيبن لم يكونوا موفقين في خوض الانتخابات باسم شبكة الصحفيين،وتوظيف إرث الشبكة النضالي لصالحهم. متناسين بأن أعضاء القائمتين الأخريين المنافستين هم شركاء،أيضاً، في ذلك التاريخ ،وذلك النضال. وبالتالي ،فإن استخدام اسم الشبكة لايوفر لها أي ميزة تفضيلية تتخطى بها الآخرين،كما أنها لا تتوفر على طاقة للتمويه على القاعدة الصحفية ،التي تدرك تطورات الأوضاع في الشبكة ومآلاتها،وربما حسمت خياراتها ،منذ وقت مبكر من ذلك الصراع، الذي شهده المجتمع الصحفي . وقد أثار بعضهم التساؤل بشأن مشروعية خوض منظمة مجتمع مدني،كالشبكة، الانتخابات،من أجل ادارة منظمة مجتمع مدني ،موازية،هي النقابة؟

قد يبدو أن الانسحاب،تحت غطاء من الهجوم على الآخرين أو المزايدة عليهم، وتحقيق كسب سياسي ،ربما كان هو الخيار الأفضل ،في بعض التقديرات ،والبديل الطبيعي لهزيمة محتملة.

ومن جهة أخرى، فإن المجموعة الثانية،ممثلة في قائمة التحالف المهني للصحفيين، تبدو مثقلة برواسب الصراعات الماضية ومراراتها،التي ظلت تطفح بين الحين والآخر في خطاب بعض أعضائها.وأنها، لذلك تبنت موقفاً حاداً ضد الحزبية والأحزاب، وهي توجه أصبع الاتهام للمجموعة الثالثة،وضد ما تسميه “الشلة”( وتعني بذلك الشبكة )، مع محاولة نبش ماضي الخلافات، وهو خطاب لم يجد أي استجابة تذكر ، ولم يُخلِّف صدى.وعلى النقيض من كل ذلك ،فإن المجموعة الثالثة،قائمة الوحدة الوطنية ،المؤلفة من عدة أجسام صحفية،(أبرزها التجمع الديموقراطي للصحفيين، والذي استعد من وقت مبكر،وبادر بالدعوة للقائمة الواحدة )، قد تبنت خطاباً واضحاً بشأن قضايا الصحفيين، عبرت عنها بوضوح خلال المناظرات التي جرت بين المتنافسين،فضلاً عن ترشيحها عناصر صحفية ذات جدارات مهنية ونضالية معروفة،ما مكَّنها من تحقيق فوز حاسم.

إن غلبة العنصر الشخصي في الخلافات،والتي احبطت في وقت سابق مساعي توحيد الصف الصحفي، جعل السباق من أجل النقابة ،يخلو إلى حد بعيد من الصراع الفكري والسياسي، ومن صراع البرامج الانتخابية،أيضاً.

لقد اخطأت المجموعة الأولى بالمراهنة على الانقسامات السياسية، وما يرتبط بها من استقطاب واستقطاب مضاد،لتفضيل خيار خوضها الانتخابات بقائمة منفصلة، دون اعتبار لـ”المزاج العام” الذي يرفض الانقسامات، ويرفض المزيد من التشظي ،تحت أي عنوان،ويعوِّل على الوحدة،لتجاوز حالة الجمود الذين يَرِين على المشهد السياسي. كما أخطأت المجموعة الثانية ،في الرهان على العداء للأحزاب والحزبية، والاستثمار في ماضي الخلافات، التي عصفت ،في وقت سابق،بالمجتمع الصحفي. ويمكن عَزْو نجاح المجموعة الثالثة،بالمقابل، إلى نزوعها القوي والواضح للوحدة،وتساميها على دعوات الشقاق والخلاف ،بما في ذلك العداء غير المبرر للأحزاب والحزبية،وهو وجه من وجوه العداء للديموقراطية،وللتعددية السياسية والفكرية،والتماهي مع الانقلابيين.لذلك لم يكن غريباً ،أن تضم القائمة الفائزة فسيفساء سياسية من البعثيين والإتحاديين والمؤتمر الشعبي بجانب المستقلين، والذين انضم إليهم ثلة من الشيوعيين،في نهاية المطاف،للتأكيد على أن التاريخ يقف إلى الجانب الصحيح من التطور السياسي، جانب الوحدة،ضد الفرقة والشتات.


المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى