السياسة السودانية

معركة كسر العظم في السودان ..من أطلق الرصاصة الأولى؟

[ad_1]

في هذه الساعات العصيبة التي يمر بها السودان، لا يوجد أحد يشعر بالأمان، سواء كان في الولايات البعيدة، أو في العاصمة السودانية. حيث أكتب هذا المقال، أسمع صوت الأسلحة الثقيلة، والطائرات الحربية، وأرى أعمدة الدخان تتصاعد في الفضاء، والرصاص يرتطم بنافذة الشقة التي أقطن فيها بجزيرة توتي، التي تطل مباشرة على القصر الجمهوري، ذلك العرين الرحب للسلطة، تدور حوله، جل المعارك، وبالأحرى كل طموحات الجنرالات والساسة.

من أطلق الرصاصة الأولى؟

بدأ المشهد، عندما تحولت الخرطوم فجأة إلى منطقة عمليات، منذ مطلع هذا الأسبوع، وأصبحت الشوارع ثكنة عسكرية، تتحرك فيها سيارات الدفع الرباعي، وخلت من المارة تماماً، كل طرف يتهم الآخر بالبدء بالهجوم عليه، الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، في مواجهة كانت حتمية ومؤجلة، فقط بانتظار من سيطلق الرصاصة الأولى.

أطراف الصراع، بتوصيف دقيق، هما قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، حيث الأول هو رئيس مجلس السيادة الانتقالي، والثاني، أي حميدتي، هو نائب ذلك المجلس، وبالضرورة فإن طموحات أي منهما، للانفراد بالسلطة، هي أحد أهم أسباب هذا الصراع، ومن يمتلك القوة والقدرة على السيطرة، هو الذي سوف ينتصر في نهاية الأمر، ولكلٍ حلفاء داخل وخارج السودان بالطبع، لكن مؤكد أنه لا يمكن المقارنة بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، من حيث القدرات البشرية والعسكرية.
فالجيش هو الأكثر تأهيلاً وفاعلية، ومعرفة بالحروب والصبر عليها، حيث قاتل لأكثر من خمسين عاماً في أطراف البلاد، دون أن ينهزم، أو تكسر شوكته، وقد ولدت قوات الدعم السريع من رحمه، لكن مع ذلك ثمة سؤال يصعب الهروب منه، وهو كيف نجح حميدتي في السيطرة على مواقع استراتيجية داخل العاصمة الخرطوم، بما فيها القصر الجمهوري ومداخل القيادة العامة للجيش؟

قبل الإجابة على هذا السؤال، من المهم التأكيد على أن قوات الدعم السريع هي قوة نظامية، أنشأها الرئيس المعزول عمر البشير، وصنع لها قانوناً، ما زالت تتمسك به، ومنح قائدها حميدتي وشقيقه عبد الرحيم رتبًا عسكرية رفيعة، وسمح لتلك القوات، التي كانت لديها مهام محدودة تتمثل في مواجهة التمرد في دارفور، غرب السودان، بالانتشار في مواقع مختلفة، وأتاح لها المشاركة في حرب اليمن، وسمح لها أيضاً بالاستثمار الاقتصادي، تحديداً بالتنقيب عن الذهب، في منطقة جبل عامر، وبالتالي حازت على ثروة هائلة، لدرجة أن حميدتي أصبح، بين ليلة وضحاها من كبار الأثرياء في السودان.

طموحات الجنرالات
بعد سقوط البشير، وجد حميدتي الفرصة مواتية لطموحاته السياسية، ومكن له البرهان أكثر، عندما أوكل له مهام داخل الحكومة، مثل رئاسة اللجنة الاقتصادية، وإدارة المفاوضات مع المكونات السياسية، والتوقيع بالإنابة عنه، وحاول أن يتقوى به، لكن لا أحد في بلاد النيلين يقبل أن يكون الرجل الثاني، خصوصاً إذا كان يمتلك بندقية وأحلاما سلطوية، ومن هنا كان لا بد أن يتخلص أحدهما من الآخر، ويبحث له عن حلفاء جدد، حيث وجد حميدتي في الاتفاق الإطاري ضالته، وأصبح يدافع عن العملية السياسية، وينادي بإصلاح المؤسسة العسكرية، وإخراج الإسلاميين منها، بينما تمسك الفريق البرهان بضرورة دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، قبل المضي في تلك العملية، وتسليم السلطة إلى المدنيين، خصوصاً وأن الاتفاق الإطاري، أخرج قوات الدعم السريع من تبعية الجيش، إلى تبعية رئيس الوزراء المدني، بشكل جعله في قلب المعركة السياسية.
وبما أن قوى الحرية والتغيير، حليفة حميدتي، هي التي تحتكر السلطة، وتعين رئيس الوزراء، فهذا يجعل من حميدتي هو الحاكم الفعلي، بعيداً عن المؤسسة العسكرية، وهذه هي عقدة الأزمة، وأحد أهم دوافع الصراع، إلى جانب التحشيد العسكري، وتبادل الاتهامات، لدرجة أن عبد الرحيم دقلو، شقيق حميدتي، اتهم البرهان بأنه يختبئ خلف جدران القيادة العامة للجيش، ولا يكترث لما يحدث لشعبه، وطالب بتسليم السلطة من غير ” لف ودوران”.

مؤامرة لاحتلال السودان

عموماً يعتمد حميدتي في هذه الحرب على أبناء عشيرته، ويغامر بحياته وحياة جنوده للاستيلاء على السلطة، بأي ثمن، وذلك بعد أن تم ضرب معسكراته بالطيران، وفقدت التموين والدعم اللوجستي، وخسر أيضاً تضامن الشعب، في مواجهة المؤسسة العسكرية المتماسكة هيكلياً، والتي تنتشر في كل بقاع السودان، وتتمتع بالكفاءة، مما يعني أن الجيش سوف يكسب هذه المعركة، في نهاية الأمر، ضد ميليشيا متمردة، واقعة تحت هوس قائدها، وتطلعاته الجنونية، حيث جهز نفسه لهذا الخراب، تحت دعاوى كاذبة، فلم يترك موطأ قدم إلا وزرع فيه سيارة تاتشر، يمهد به الطريق للقصر، وظل يخادع الناس ويتحدث عن التحول المدني، ثم يشتري الأسلحة، ويتحالف مع حفتر في ليبيا، وفاغنر الروسية، وقد وجد من يصدقه، ليصل إلى ساعة الصفر، فيهجم على كل الثغور، ويحتل المطارات، ويأخذ الأسرى، ويطلق النيران بطريقة عشوائية، بدعم ممن ارتضوا العمل معه، في مؤامرة دبرت بليل، وتحت رعاية أجنبية، لاحتلال السودان، لأن هذا العدوان الخطير أكبر من إمكانيات حميدتي.

محزن ومؤسف جداً ما يحدث في السودان، ومع ذلك لا خيار سوى دعم الجيش، وتقديم يد العون له لينتصر، حتى لا يقع السودان في أتون الفوضى والخراب، وتسيطر عليه الميليشيات، فتهلك الحرث والنسل، وينزح الملايين، ولا يجد الساسة ولا الجنرالات، بعد اليوم، وطناً يتصارعون لحكمه.

عزمي عبد الرازق
عزمي عبد الرازق 2
المصدر : الجزيرة مباشر

[ad_2]

مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى