السياسة السودانية

خيارات تكوين حكومة مؤقتة في زمن الحرب في السودان

[ad_1]

 

  سامي عبد الحليم سعيد

 بعد إندلاع الحرب في السودان في 15 أبريل 2023، راج مُقترح ينادي بضرورة تكوين حكومة طوارئ، تقوم بالمهام العاجلة و الهامة التي تهم المواطنين و اللآزمة لاستمرار الاعمال الحكومية الروتينية. و ذلك بعد ان تعطلت الخدمات العامة تماما، بما في ذلك خدمة الامن و السلامة، و الصحة و التعليم و المصارف و أغلقت الأسواق، و انقطعت حركة النقل و الاتصالات، و توقفت التجارة المحلية و تعطلت حركة الصادر و الوارد. غابت مؤسسات الدولة، في العاصمة و في الولايات، و نزح الموظفون بعيداً عن مواقع عملهم فتعطلت المرافق العامة، و استبيحت حقوق و حريات المواطنين. في تلك الظروف، و بعد شهر من إندلاع الحرب، ظهرت الدعوة بتكوين حكومة طوارئ من منظمات المجتمع المدني والنشطاء السياسيين و حتى وسط المسؤولين الحكومين.

حين لا تكون هناك سلطة تنفيذية كفؤة و قادرة على تقديم الخدمات العامة، ينحو التفكير السياسي بإتجاه البحث عن أنسب وسيلة دستورية تساعد في إنشاء سلطة تنفيذية، تملأ الفراغ الذي أحدثته الصراعات السياسية، و تسهم بصورة مؤقتة في الوفاء بمهام السلطة التنفيذية المؤقتة إلى حين أن تعود الاحوال الى الاوضاع الدستورية إلى حالتها المثالية. حسب دراسة  تحليلية قام بها معهد أبحاث السلام بجامعة الخرطوم مع المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، لعدد خمسة عشر مبادرة مدنية لاحلال السلام و إصلاح النظام السياسي، توصلت الدراسة إن كل المبادرات تنادى بتكوين حكومة مؤقتة لمرحلة الحرب، محددة المدة و الاختصاصات، و خلصت الدراسة إلى إن 13 مبادرة نصت بصيغة واضحة على تكوين حكومة مؤقتة أو حكومة طوارئ أو حكومة أزمات من المدنيين و بصورة توافقية (Abdul Jalil and Keimer 2023) . من ذلك نستنتج أن قطاع عريض من المجتمع يرى ان هناك فراغاً في السلطة التنفيذية يستوجب معالجته بصورة عاجلة.

أن يحدث تحوير و تبدل في مهام الحكومة و في هيكلة الوزارات بسبب تبدل أولويات الحكومة في زمن الحرب، هو أمر رائج و طبيعي في سياق الأولويات السياسية التي تفرضها ظروف الحرب. ان التماسك السياسي يكون في أعلى مستوياته حين تكون الحرب مع عدو اجنبي، على عكس الحرب الاهلية التي تدور بين مكونات مجتمعية و سياسية داخل الدولة. و في ظل تبدل اهداف الدولة في زمن الحرب، يكون أحد أهداف الدولة  هو الحفاظ على التماسك السياسي داخل الدولة، و هذا الهدف يكون أصعب في ظروف النزاع الداخلي. تكوين حكومة مؤقتة لتحقيق أهداف الدولة و تحظى بقبول المواطنين و مساندتهم، يتطلب قدراً من النقاش القانوني و السياسي المستوعب لظروف الحرب، و طبيعة العلاقات السياسية الناشئة في زمن الحرب، و كذلك طبيعة العلاقة بين المواطنين و الطبقة القابضة على مقاليد الحكم في اللحظة التاريخية التي تتم فيها مناقشة تكوين حكومة مدنية مؤقتة.

من الموضوعات التي تثيرها مسألة تكوين سلطة تنفيذية في ظروف الحرب، هو موضوع الاساس الدستوري لعملية تشكيل الحكومة المؤقتة. مناقشة الاساس الدستوري في تكوين الحكومة المؤقتة، يستهدف ضمن موضوعات مهمة عديدة، البحث عن السلطة المخولة بتكوين تلك الحكومة و الجهات التي تخضع لها الحكومة بالمراقبة و المحاسبة بعد تكوينها. و تتأتى هذه الاهمية من أن تكوين حكومة إنتقالية في ظل ظروف الحرب و الانقسام السياسي، تعني تفويض مجموعة مجتمعية و سياسية بممارسة السلطة العامة، في الوقت الذي تتقاتل فيه المجموعات المتحاربة بأحدث الاسلحة من أجل ذات الهدف، بالتالي يمكن ان نتصور صعوبة تكوين حكومة قادرة على تحقيق أهداف الحفاظ على وحدة البلاد و تماسكها، و تسهم في بناء السلام و الاستقرار السياسي.

من الصعب التكهن بتكوين حكومة مدنية مستقلة من الكفاءات، تعمل على بناء السلام و تهئ الاوضاع للإنتقال الديمقراطي، في ظل إستمرار النزاع المسلح في السودان. كما أن هناك مخاوف معقولة من أن تكون مساعي تكوين حكومة مؤقتة – مهما كان وصف تلك الحكومة، و مهما كانت إختصاصاتها محدودة – أن تكون سبباً في إتساع نطاق الاختلافات السياسية مما يوفر مبرراً إضافياً لاستمرار الحرب و لاتساع نطاقها.

الفصل الاول: الاهداف و النطاق

في 25 إكتوبر 2021 أقدمت قيادة الجيش بالانقلاب على الحكومة الانتقالية(Reuter: 25 October 2021) التي تكونت بموجب إتفاق سياسي بين قيادة الجيش و قوى أعلان الحرية و التغيير في 2029 (Political Agreement, July 2029) بعد الاطاحة بحكومة الرئيس عمر حسن البشير في ابريل 2019، و التي كانت تحظى بقدر عالي من القبول الشعبي و الاعتراف الدولي العريض. و بعد الانقلاب ظلت المؤسسات الحكومية متعطلة عن أداء مهامها، بسبب الانقسام الحاد داخل مؤسسات الحكم بعد الانقلاب، و بالتالي فشلت القيادة العسكرية، التي واجهت معارضة مدنية واسعة، في تسيير مؤسسات الدولة. و بعد أكثر من عام من الاضطرابات السياسية،  وقعت القيادات العسكرية في ديسمبر 2022، على أتفاق سياسي إطاري مع جزء من القيادات المدنية ، تمهيداً للعودة إلى مسار التحول الديمقراطي، واعادة هيكلة الحكومة و إجراء إصلاحات في المؤسسات الامنية، بحيث يتلخص دور الجيش في المسائل الدفاعية و العسكرية، و دمج قوات الدعم السريع و الحركات المسلحة في الجيش الوطني  (The Framework Agreement: December 2022) . إتفق الموقعون على الاتفاق الاطاري على أن تتكون حكومة انتقالية  بقيادة مدنية. إلا أن قيادة القوات المسلحة إختلفت مع قيادة الدعم السريع في مسألة برنامج و مدة ادماج الدعم السريع في الجيش الوطني، و في تحديد قيادة المؤسسات العسكرية خلال الفترة الانتقالية الجديدة التي تلي التوقيع على الاتفاق الاطاري.  تطور الخلاف بين القيادتين، و فشلت جهود الوساطة المحلية و الدولية، فاندلعت الحرب بينهما في صباح  15 ابريل 2023 (UNSC, UNTAMIS SRSG Statement: 15 April 2023)   .

في الفترة من 25 إكتوبر 2021 تاريخ الانقلاب العسكري و حتى 15 أبريل 2023 تاريخ اندلاع الحرب، كانت الدولة تحت السيطرة الكاملة للجيش ، إذ ظلت الدولة بعد إلغاء أهم أحكام الوثيقة الدستورية، تعيش تحت الاحكام العرفية التي يصدرها قائد الجيش من وقت لاخر، و ظل الوضع كما هو عليه بعد اندلاع الحرب. و بإنقسام السلطة الحاكمة على نفسها فقدت الحكومة قدرتها في ممارسة وظائفها. و ظل هذا العجز هو أحد أسباب معاناة المواطنين حتى في الاقاليم البعيدة التي لم تطالها الحرب حتى الان.

في هذه الورقة، يقصد بمصطلح “الحكومة” مؤسسات الدولة التي تقدم الخدمات العامة للمواطنين بما في ذلك الحفاظ على الامن و السلامة و الخدمات الصحية و التعليم و اصدار المستندات الثبوتية، و خدمات الكهرباء و الماء و المواصلات و غيرها.

تفترض هذه الدراسة أن المواطنون قد إفتقدوا تلك الخدمات و صاروا يعانون من غياب السلطة التنفيذية، و بدأوا في تقديم المقترحات والخيارات لادارة المرافق العامة و توفير الخدمات العامة في زمن الحرب. و هذا ما تحاول هذه الورقة الاسهام به.

تهدف هذه الورقة الى مناقشة البدائل الدستورية التي تعالج مسألة الغياب الوظيفي للسلطة التنفيذية في فترة النزاع المسلح الذي  إندلع في الخرطوم في 15 أبريل من داخل مؤسسات الحكم. تسعى الورقة الى تقديم تحليل سياسي و دستوري، و تستعرض الخيارات التي إنتجتها التجارب المماثلة، حتى تُعين المُهتمين من صناع القرارات العامة على المستوى المحلي و الدولي، في إتخاذ الخيارات الامثل، و بحث إمكانية تطبيقها في السياق السياسي و الدستوري السوداني الراهن.

تناقش الورقة الخيارات التالية، بوصفها أكثر نماذج الحكومات المؤقتة تطبيقاً في ظروف الحرب و الاضطرابات السياسية:

  • حكومة الطوارئ.
  • حكومة الوفاق الوطني.
  • حكومة تصريف الاعمال.
  • حكومة المنفى.
  • حكومة الظل.
  • الحكومة التي تتكون بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.

تعكف هذه الدراسة على استجلاء كافة الخيارات أعلاه، بمناقشة الظروف السياسية و الدستورية التي تستلزم تطبيق كل خيار، بالقدر الذي يجعل الامر يسيراً لصانعي السياسات العامة للاستهداء بأفضل الخيارات و المناسبة مع الحالة السودانية. و للمزيد من الاحاطة بمتطلبات الوضع السياسي في السودان، تضمنت الدراسة تحليل النصوص الدستورية  بجانب إجراء مقابلات شخصية و عبر الانترنت، لاستجلاء المزيد من المعلومات عن الخيارات المتاحة.

إن المقترحات التي جادت بها منظمات المجتمع المدني و مراكز البحوث و المؤسسات الحزبية، تستهدف تأسيس سلطة تنفيذية مؤقتة تحقق الاهداف الانتقالية للدولة. لخصت المبادرات المدنية أهداف الحكومة المؤقتة في التالي (Abdul Jalil and Keimer: 2023)

  • التمثيل المدني في مفاوضات وقف إطلاق النار والسلام بشكل مستقل عن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع،
  • إبتدار عملية تحول ديمقراطي بتشكيل تحالف وطني واسع وتوافق بين مختلف الجهات الفاعلة بإرادة قوية ورغبة حقيقية في تحويل البلاد نحو الحكم الديمقراطي الرشيد،
  • إنهاء الحرب واستعادة التحول الديمقراطي بقيادة مدنية.

إلا أن المبادرات لم تقدم مقترحات واضحة بخصوص الاطار القانوني الذي يمكن إستخدامه في تكوين الحكومة المؤقتة و تجد المشروعية عند المجتمع المحلي و الاقليمي و الدولي. و بالتالي هذه الدراسة تجتهد في بحث و تحليل الأطر التشريعية و السياسية التي يمكن إستخدامها لتكوين الحكومة المؤقتة.

الفصل الثاني: المقدمة و السياق

بدأت أزمة غياب السلطة التنفيذية  في السودان بصورة ملحة بعد الانقلاب الذي قاده قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان و قائد قوات الدعم السريع الفريق اول محمد حمدان دقلو ( و المعروف أيضا بأسم حميدتي) ، و هو الانقلاب الذي أطاح بالحكومة الانتقالية  في 25 إكتوبر 2021 و إعتقل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك و طاقم وزراء حكومته، و قام بتعطيل العمل أهم أحكام في الدستور الانتقالي من بينها المواد 11، 12، 15، 16، 24/3، 71 و المادة 72(قرار رئيس مجلس السيادة الانتقالي: 25 إكتوبر 2021) . و إلغاء كل التدابير الانتقالية التي قامت بها المؤسسات الانتقالية. و كانت الحكومة الانتقالية قد تكونت في أغسطس 2019 بموجب دستور انتقالي (International IDEA: Sudan Constitution Declaration 2019) ، توافقت عليه الاحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني و النقابات و المؤسسة العسكرية، كأول تحالف سياسي عريض بعد سقوط حكومة المشير عمر حسن البشير في ابريل 2019، بالثورة الشعبية التي إنطلقت في مدن السودان في ديسمبر2018 .

و لان الحرب التي أندلعت في الخرطوم في الخامس عشر من أبريل، كانت بين شركاء الحكم، بين رئيس مجلس السيادة و نائبه، و بتوصيف آخر، بين القائد العام لقوات المسلحة، و القائد العام لقوات الدعم السريع. كان لتشابك العلاقات المؤسسية بين القوات المسلحة و قوات الدعم السريع و الحكومة الانتقالية، في الفترة الانتقالية، و خلال الفترة السابقة لانطلاقة العمليات الحربية، أثره الكبير في أداء و فعالية السلطة التنفيذية الموجودة لحظة اندلاع الحرب (Reuters Report, March 2023).

الجدير بالاشارة أن المجموعة التي نفذت الانقلاب في 25 إكتوبر عجزت عن تكوين حكومة مؤقتة خلال الفترة التالية للانقلاب و حتى تاريخ إندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، بالرغم من محاولتهم إعادة دكتور حمدوك في منصبه في قيادة السلطة التنفيذية في محاولة وفاقية الا انه اضطر الى تقديم استقالته في النهاية.  هذا يعد من مؤشرات ازمة العلاقة بين الطبقة الحاكمة في فترة ما بعد الانقلاب، و التي كانت منقسمة الولاء و الانتماءات، بين ثلاث فئآت رئيسية داخل تحالف الطبقة الحاكمة وقتها:

  • الفئة الاولى: الموالين للفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة و القائد العام لقوات الشعب المسلحة.
  • الفئة الثانية: الموالين للفريق أول محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة، القائد العام لقوات الدعم السريع.
  • الفئة الثالثة: منسوبي الحركات المسلحة الموقعة على إتفاقية جوبا للسلام التي تم توقيعها في 3 إكتوبر 2020 و الذين لهم بموجب الاتفاقية 25% من المناصب الرئيسية في المؤسسات الانتقالية(Juba Peace Agreement: October 2020) .

أعلاه هي الطبقة التي كانت تحكم البلاد في صبيحة يوم 15 إكتوبر 2023 يوم إندلاع الحرب في السودان. هذا التصنيف يكتسب اهمية في تحليل تركيبة الطبقة الحاكمة و دراسة مدى إنسجامها و تناغمها أثناء الحرب. هذا التحليل يفيد في تحديد مستوى الانسجام او الانقسام داخل الطبقة الحاكمة في الظروف السياسية اللاحقة للحرب. من المهم هنا التذكير بأن الحرب إندلعت من داخل التحالف الحاكم، مما سبب تصدعا مريعا في بنية الدولة، و تجلى ذلك الانقسام، بدءاً من مجلس السيادة، مروراً بمؤسسات القطاع الامني، و إنتهاءاً بقطاع الخدمات العامة، و إتسع نطاق الانشقاقات السياسية و الاجتماعية ليشمل مكونات خارج الحكومة، فشمل الاحزاب السياسية و مؤسسات المجتمع بما في ذلك الزعامات القبلية و العشائرية و الزعامات الروحية. هذا الواقع جعل من غير اليسير خلق توافق سياسي حول تكوين حكومة مؤقتة للسودان في ظل ظروف الحرب و انتشار العنف. و ما يعنينا هنا، هو الانقسام العمودي الذي اصاب مؤسسات الحكم الانتقالي، و بصورة دقيقة، الانقسام و الشلل الذي اصاب السلطة التنفيذية، مما إستدعى التفكير بصورة عاجلة في سد الفراغ في السلطة التنفيذية.

و بالاشارة للفئة الثالثة ( الحركات المسلحة الموقعة على إتفاقية جوبا) التي تشارك في حكومة الانقلاب، بعد الإنقلاب على الحكومة الانتقالية بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك. هذه المجموعة ظلت تشارك في مؤسسات الحكم، على مستوى السلطة التنفيذية و مجلس السيادة، و ظلت تحتل مواقع داخل مؤسسات الحكم رغم إنهيار الحكومة الانتقالية و تجميد أهم أحكام الدستور الانتقالي، (Saeed, Sami, 2021) و ظل الامر كذلك بعد إندلاع الحرب وتفكك الدولة. الإفتراض الذي يمكن إستنتاجه من إصرارهم على الإستمرارفي مؤسسات الحكم الانتقالي، رغم تبدل الظروف السياسية و الدستورية في البلاد، هو أن تلك الفئة قد حصلت على مكتسبات سياسية لحركاتها بموجب إتفاقية جوبا، و أنها تريد أن تحتفظ بتلك المكتسبات التي تحصلت عليها بموجب إتفاقية جوبا، حتى بعد إنتهاء الحرب  (Saeed, Sami. November 2022). و بالتالي يطل هنا سؤال مهم يتعلق  بمدى فعالية إتفاقية جوبا بعد إندلاع الحرب، و موقع تلك الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق في أي حكومة او ترتيبات سياسية جديدة موقتة؟.

أما قوى إعلان الحرية و التغيير، و التي كانت تشارك في الحكومة الانتقالية قبل إنقلاب 25 إكتوبر فقد تم إستبعادها نهائياً من الحكم. ظلت قوى إعلان الحرية و التغيير طيلة الفترة التالية للانقلاب، تعمل على ممارسة الضغط السياسي على المجموعة القائدة للانقلاب باتجاه العودة إلى مسار التحول الديمقراطي،  و إنتاج بدائل سياسية و دستورية لاستعادة الانتقال الديمقراطي في السودان.

الفصل الثالث: الاطار القانوني و السياسي لتكوين حكومة مؤقتة في السودان

أن تشكيل حكومة مؤقتة في ظروف الحرب الداخلية التي تدور رحاها الان في السودان، يتطلب الوضع في الاعتبار عدد من المحددات الدستورية و السياسية التي تغل حرية الهيئآت العليا في الدولة من تكوين حكومة مؤقتة. من بين تلك المحددات، الظروف السياسية و الامنية التي انتجتها الحرب، و غياب الإطار الدستوري بسبب أن بعض أحكام الوثيقة الدستورية كان قد تم تعطيلها منذ 25 إكتوبر2021 (Saeed, Sami, 2021) ،  بجانب الالتزامات و الحقوق التي نصت عليها إتفاقية جوبا 2020، و التي تم من بينها تحديد آليات لاقتسام السلطة في الفترة الانتقالية، و التي حددت نسبة 25% من المناصب الدستورية في السلطة الانتقالية للحركات المسلحة و المجموعات السياسية الموقعة على إتفاق جوبا للسلام.

تستعرض الورقة في هذا الفصل الاطار التشريعي و السياسي الذي يحكم عمليات تكوين السلطات الانتقالية في السودان. و التي منها نستخلص الفرص المتاحة لتكوين حكومة مؤقتة في السودان خلال فترة الحرب.

أولا:  المحددات القانونية و الدستورية:

في هذا الجانب نبحث في المرجعية القانونية التي يجب توفرها عند الشروع في إتخاذ قرار بتكوين حكومة مؤقتة. و في ذلك من المهم معرفة عدد من المحددات القانونية:

  • أولاً: نص دستوري ينظم عملية تكوين حكومة مؤقتة، و يحدد إجراءاتها.
  • ثانياً: تحديد السلطة التي لها الحق في تكوين الحكومة الإنتقالية.
  • ثالثا: تحديد النطاق الموضوعي و الزمني للحكومة المؤقتة.
  • رابعا: تحديد السلطة التي تراقب أداء الحكومة المؤقتة.

تلك الاحكام ضرورية  لتأكيد مشروعية القرارات التي تصدر بخصوص تكوين الحكومة المؤقتة. و استنادا على تلك الاحكام الدستورية تكتسب الحكومة المؤقتة شرعية وجودها و تصرفاتها. فيما يلي ندرس بالتحليل بعض اهم الوثائق الانتقالية التي التي تشكل الاطار القانوني و الدستوري  لمسائل تنظيم الحكم:

الوثيقة الدستورية لسنة 2019:

تم تعطيل أحكام الوثيقة الدستورية 2019 المتصلة بتاسيس مؤسسات الحكم في إنقلاب 25 إكتوبر 2021، فلم تعد هناك نصوص دستورية فعالة يمكن الاستناد اليها كمرجعية قانونية عند تكوين أي حكومة مؤقتة. كما لا يوجد قانون خاص بتكوين واحدة من نماذج الحكومات المؤقتة التي تناقشها  هذه الورقة. و بخلاف واقعة الانقلاب الذي عطل أحكام الوثيقة الدستورية بصورة غير شرعية، إلا ان الوثيقة نفسها لم تكن تحتوي على أحكام تفصيلية خاصة بتكوين حكومة مؤقتة في زمن الحروب و الازمات السياسية.

الاطلاع على التاريخ الدستوري و شروحات الفقهاء الدستوريين في السودان لا تسعف دارسي القانون الدستوري على أيجاد مرجعية قانونية تنظم مسألة توزيع السلطات في فترة الغاء الدستور او الانقلاب عليه. خلال السنوات الماضية  من تاريخ السودان، تمت الإطاحة بحكومات عديدة بواسطة ثورات عنيفة، أو انقلابات عسكرية، أو أشكال أخرى من الاضطرابات. و الانقلاب على نظام الحكم القائم يبطل الدستور فعليًا، ولا يمكن تكوين حكومة  جديدة بشكل قانوني ضمن الإطار الدستوري القديم طالما قام الانقلابيون بتعطيل الدستور، و إنها وصلت إلى السلطة عبر انتهاك مباشر لذلك الدستور(Stavsky, Mark M. 1983) . و وفق ذلك كان من المتوقع ان تعالج الدساتير السودانية تلك المعضلة السياسية، إذا كانت تريد لنظامها السياسي الاستقرار، لكنها لم تفعل.

إتفاقية جوبا للسلام:

في 3 أكتوبر 2020 وقعت الحكومة الانتقالية في السودان “اتفاقية جوبا لسلام السودان” ً مع ممثلون عن عدد من المجموعات المسلحة و التي يطلق عليها أيضاً إسم أطراف العملية السلمية (Juba Peace Agreement: Signatories page 238). و تكمن اهمية هذه الاتفاقية في سياق نقاشنا لتكوين حكومة مؤقتة في ظروف الحرب الراهنة، أن الاتفاقية تنظم عملية إقتسام السلطة في الفترة الانتقالية و خلال فترة سريان إتفاقية السلام.

و عدلت إتفاقية جوبا للسلام الوثيقة الدستورية لسنة 2019، و أسست دولة فيدرالية غير متناظرة في السودان. إذ سيمارس إقليم دارفور مجموعة من الصلاحيات الدستورية، تختلف عن الصلاحيات التي قررتها الاتفاقية للنيل الازرق و كردفان، و ليس من الواضح ما هي الصلاحيات التي ستمارسها بقية الاقاليم الفيدرالية. بجانب ذلك يغفل الاتفاق قضايا مهمة مثل تكوين الحكومة الوطنية، و الهيكلة الداخلية لحكومات الولايات (Al-Ali, Zaid, 2021,)

تنص المادة 5.1 من باب القضايا القومية من إتفاقية جوبا على أن تمثل “أطراف العملية السلمية” في مجلس الوزراء بخمسة وزارات أي %25 من مجلس الوزراء. و تنص المادة 6.1 من اتفاق القضايا القومية على منح “أطراف العملية السلمية” %25 من مقاعد المجلس التشريعي الانتقالي  أي 75 مقعدا.

وتنص المادتين 51.2  و 51.4  من اتفاق النيل الازرق وكردفان على أن المؤسسات القومية، كالمحكمة الدستورية ً القومية والمجلس الاعلى للنيابة العامة، يجب أن تضم أعضاء من الولايات أيضا، مع النص على أن تعيينهم يكون “وفق معايير الكفاءة والمهنية. وتنص المادة15 من اتفاق جبهة الشرق على أن تعمل الحكومة الاتحادية على ضمان تمثيل “أبناء وبنات” شرق السودان بنسبة %14 في كافة وظائف الخدمة المدنية (Saeed, Sami, November 2022).

من الصعب تكوين حكومة مؤقتة مستقلة في السودان في ظل ظروف الحرب، بدون تحديد موقف مسبق حول مدى قابلية او عدم قابلية تطبيق أحكام إتفاقية جوبا للسلام عند تكوين حكومة مؤقتة جديدة.

نظرية الظروف الاستثنائية :

تعد نظرية الظروف الاستثنائية استثناءاً و قيداً على مبدأ المشروعية والنتائج المترتبة عليها، و تستمد نظرية الظروف الاستثنائية مدلولها أن أمن و سلامة الامة أهم من حريات الافراد (Vázquez Irizarry, William, 1994). في حالة الضرورة تتخذ السلطة التنفيذية بعض القرارات الاستثنائية والتي تكون مشوبة بعيب الاختصاص الذي يتجسد في ممارسة السلطة التنفيذية لمهام و إختصاصات تشريعية، او تقوم بأداء أعمال مشوبة بعيب مخالفة القانون حيث تعد مثل هذه القرارات (إساءه إستخدام للسلطةAbuse of Power ) عن أهدافها المحددة في الدستور (Berkowitz, Peter, 2018). و برغم مخالفتها القواعد العامة التي تحكم تصرفات السلطات العامة في الظروف العادية، إلا إن الدستور يجيزها في الظروف الاستثنائية متى كانت لازماً لحماية البلاد من خطر داهم و كانت التصرفات ضرورية و متناسبة مع حجم و نوع الضرر المتوقع .

للظروف الاستثنائية تأثير واضح على تطبيق أحكام الدستور، و كذلك تأثيرعلى الوضع السياسي في الدولة. (القذافي، إنتصار. 2020) حيث يتبين لنا مما سبق ان السلطة التنفيذية وعند قيامها بالاجراءات واتخاذها القرارات اللازمة لمواجهة الظروف الاستثنائية، تتجاوز الاختصاص الممنوح لها في الدستور و تمارس سلطات ليست من إختصاصاها. بعض الدساتير عادة ما تخول السلطة التنفيذية، ممارسة سلطات خارج إختصاصها سلطة بهدف حفظ النظام العـام وضـمان سـير المرافق العامة بانتظام و إطراد. ورغم أن مجلس الدولة الفرنسي قد اعتبـر ان مقتضيات هذه المشروعية للظروف الإستثنائية تتجلى في سلطات الحرب، إلا أن سلطات الحرب ليست سوى أحد مظـاهر التطبيق للنظرية العامة للظروف الإستثنائية و التي تتضمن كل ظرف طارئ و شاذ، و هي بذلك، تشمل ظروف الحرب، إلا أنها تعتبر أوسع نطاقاً من نظرية سلطات الحرب (جابوربي ,اسماعيل، 2016).  و بالتالي نظرية الظروف الاستثنائية التي تطبقها الدولة في حالة تعرضها إلى ظروف غير اعتيادية لتامين انتظام المرافق العامة، تبرر إنتاج حكومة مؤقتة لادارة الازمة لحين استقرار الاوضاع السياسية و الامنية في البلاد. و تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية لا يعفى الحكومة من المراقبة، فعلى الادارة تفعيل نظم الرصد و الرقابة المختلفة، بما فيها الرقابة البرلمانية اللاحقة  لضمان التزام الإدارة بأحكام المشروعية و عدم الاستبداد و التعسف في استخدام الظروف الاستثنائية (شكراوي، علي، و البديري، إسماعيل صعصاع، 2014).

لم تنص الوثيقة الدستورية لعام 2019 في السودان على مادة منفصلة للظروف الاستثنائية. في حين نصت المادة 41 من الوثيقة الدستورية على الظروف الاستثنائية كجزء من حالة الطوارئ، و التي تتمظهر في الخطر على سلامة و وحدة البلاد و المواطنين، و التي تقتضي إجراء و تدابير بواسطة مجلس الوزراء قد تتضمن تعليق العمل ببعض الحريات الواردة في الوثيقة الدستورية بعد التشاور مع مجلس السيادة. و المادة 41 مادة ضعيفة و غير منضبطة و لا تعمل على وضع تدابير فعالة لتوظيف نظرية الظروف الطارئة بصورة تحافظ على الاستقرار السياسي في البلاد. بينما نصت الفقرة (ب) من المادة 211 من دستور السودان المؤقت لعام 2005 على تدابير أكثر عملية مقارنة بدستور 2019 . و الحال على عكس ذلك في  الدستور المصري لعام 1971 الذي أعطى الظروف الاستثنائية الكثير من الاهتمام بالمزيد من النصوص التفصيلية و التي تضمن عدم اللجوء الى الظروف الاستثنائية كمبرر لتصرفات الحكومة إلا بعد تحقيق توافق واسع حولها. تتخذ التدابير الاستثنائية بموجب الدستور المصري بقرار من رئيس الجمهورية و بعد التشاور مع مجلس الوزراء و مجلس الشورى و إجراء إستفتاء  شعبي بعد شهرين من إعلان تطبيق الاجراءات الاستثنائية. (دستور جمهورية مصر العربية 1971: المادة 74) و من المهم الانقلابات العسكرية لا تشملها الظروف الاستثنائية التي ينظمها الدستور إذ أن الانقلابات هي خروج عن الشرعية الدستورية.

ثانياً: المحددات الامنية و السياسية:

إن الظروف التي خلفتها حرب 15 إبريل في السودان جعلت من الصعب على المواطنين الوصول الى مناطق و مواقع تمركز الخدمات العامة. و تلك المحددات المتصلة بحرية الحركة للافراد، تنطبق  كذلك على الموظفين العموميين الذي عليهم الوصول إلى مواقع عملهم في المرافق العامة لتقديم الخدمات للمواطنين. من ذلك نستخلص أن المحددات الخاصة بحرية الحركة و التنقل سيكون لها أثر واضح على أداء الحكومة المرتقبة. و بالتالي سيكون عسيرا تكوين حكومة مؤقتة مدنية فعالة و قادرة على التواصل اليومي مع المواطنين من غير توافق واسع بين أهم الاطراف. من غير المتصور أن تقوم الحكومة بتسيير المرفق العام بدون انجاز إتفاق خاص بالترتيبات الامنية، و إتفاق سياسي حول ادارة المرحلة الانتقالية القادمة. إن الاتفاق السياسي يقوم مقام الإطار القانوني الذي يجب أن يتضمن: إنجاز توافق وطني حول الموضوعات و الاجراءات الانتقالية، و يؤسس لترتيبات أمنية و إتفاق لوقف اطلاق النار، و يضع تصور للحكومة الانتقالية و مؤسسات الحكم و أساليب الرقابة . مثل تلك التدابير تم إعتمادها في اتفاقيات السلام مع الحركات المسلحة، بما فيها إتفاقية جوبا للسلام في السودان 2021 و كذلك في الاتفاق السياسي بين المجلس العسكري الانتقالي و قوى إعلان الحرية و التغيير في عام

2019.

نموذج حكومة كوسوفو حكومة المنفى حكومة الظل حكومة الوفاق الوطني حكومة تصريف الاعمال حكومة الطوارئ نماذج الحكومة المؤقتة
إجراءات تكوين الحكومة المؤقتة
غياب الدولة و تكوين إدارة دولية بواسطة مجلس الامن احتلال أجنبي او إنقلاب عسكري نظام برلماني في حالة إنتقال سياسي – بعد نهاية الحرب او نهاية حكم عسكري نظام برلماني حكومة شرعية مؤسسة بموجب الدستور طبيعة نظام الحكم الذي تتكون في ظله
بموجب قرار صادر من مجلس الامن بموجب (المواد من 39 حتى51 ) لا يوجد لها سند دستوري لا يوجد لها سند دستوري مكتوب بموجب إتفاق سياسي او إتفاق سلام شامل بموجب الدستورالوطني  الساري بموجب الدستور الوطني الساري الاطار القانوني الذي تتكون بموجبه عادة الحكومة المؤقتة
مجلس الامن التابع للامم المتحدة تكونها الحكومة الديمقراطية المقالة يكونها الحزب المعارض حكومة توافق وطني تتكون بموجب اتفاق سياسي السلطة السيادية ذات الاختصاص بموجب الدستور السلطة السيادية ذات الاختصاص بموجب الدستور السلطة المختصة التي تنشئ الحكومة المؤقتة

 

الفصل الرابع:  خيارات تكوين حكومة مؤقتة

في هذا الفصل تبحث هذه الورقة، الخيارات الممكنة في تكوين حكومة مؤقتة، في ظروف الحروب و الاضطرابات السياسية، التي إستخدمتها التجارب الدستورية في البلدان المختلفة، أو حتى تلك التي تم إستخدامها في السودان في وقت سابق. و يشمل البحث في تلك الخيارات، دراسة الشروط الدستورية، و الظروف السياسية التي تستدعي تكوين الحكومة المؤقتة، مع إستعراض مختصر للتجارب التي إستخدمت النموذج قيد الدراسة. فيما يلي، نستعرض النماذج التالية:  حكومة الطوارئ، و حكومة الوفاق الوطني، و حكومة تصريف الاعمال، و حكومة المنفى، و حكومة الظل، و الحكومة التي تتكون بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. و ذلك وفق التفصيل أدناه:

أولا: حكومة الطوارئ The Emergency Government :

لا يوجد تعريف جامع لمصطلح حكومة خلاف التفسير المقتبس من الادارة المتكونة لادارة (حالة الطوارئ) التي تنظمها الدساتير و التي عادة ما يتم تطبيقها في زمن الكوارث الطبيعية و الحروب، بتعطيل بعض الحريات و تعديل في وظائف و أهداف مؤسسات الحكومة. و في هذا الصدد تسعى السلطة ذات الاختصاص في تكوين حكومة طوارئ للقيام بالمهام العاجلة إلى حين إنتهاء حالة الطوارئ، و في ذلك يتم عرض حالة الطوارئ لاحقاً على البرلمان او للاستفتاء الشعبي حسب بعض التجارب الدستورية لاجازتها.  إذن هي سلطة تتكون من داخل الحكومة الشرعية القائمة في البلاد لادارة حالة الطوارئ في الظروف الاستثنائية وفق الدستور الساري.

الثابت ان الظرف الطارئ هو مناط تكوين حكومة الطوارئ. في خضم الظروف الاستثنائية التي واجهتها الدول في العالم، بما في ذلك ظروف الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة، طور خبراء السياسة و الدستور فهمًا جديدًا للأمة باعتبارها مجموعة معقدة من الأنظمة الحيوية والهشة و التي بسبب عدم فعالية إدارتها قد تقود إلى إنهيار الدولة أو زولها. لذا عكفوا على اختراع الأجهزة  و الوكالات المتخصصة للتخفيف من ضعف الدولة ، ونظموا شكلاً مميزًا من حكومة الطوارئ التي من شأنها أن تجعل من الممكن الاستعداد لاي ظروف طارئة، و يمكنهم من إدارة الدولة في ظل الأحداث الكارثية المحتملة. (Collier, Stephen J., and Andrew, Lakoff, 2021)  و بالتالي كانت (حكومة الطوارئ) مفهوم تم توليفه بواسطة مراكز صناعة القرارات في الدولة لمواجهة ظروف ضعف الدولة من الداخل و حمايتها من الانهيار.

إن مصطلح “حكومة الطوارئ”، ملتبس و غير واضح و يتداخل مع تعريفات أخرى. وفي السياق السوداني الحالي، تم تداول مصطلح “حكومة الطوارئ” بمعنى تكوين سلطة تنفيذية مؤقتة لمواجهة الظروف الإستثنائية. تلجأ الحكومات في ظروف الكوارث الطبيعية و الحروب، إلى تغيير أهدافها و برامجها، و تكتفي بحصر وظائفها في مواجهة الظروف الطارئة، و بالتالي يتم تغيير اسم الحكومة الى اسم حكومة الطوارئ، لكونها تتولى مهام الطوارئ بشكل اساسي، كذلك يطلق عليها أحياناً “حكومة الازمات”. في هذه الحالة قد تصدر قوانين و تدابير مؤقتة تساعد حكومة الطوارئ على القيام بمهامها.

مسالة حل الحكومة القائمة في السودان، كلياً او جزئياً، و تكوين حكومة طوارئ، هي مسألة دستورية يكون من السهل مباشرتها و مراقبتها في حالة وجود نصوص دستورية واضحة، و بخلاف ذلك تكون الاجراءات تفتقر الى الاسناد الدستوري. هذا الافتراض يحتم وجود حكومة بالفعل عند حدوث حالة الطوارئ . حيث يتم تكليف حكومة الطوارئ بواسطة سلطة سيادية للقيام بمهام المرحلة الطارئة، و أحياناً يتم تكليف وزراء و وكلاء بالوزارات للقيام بمهام حكومة الطوارئ.

لا نجد في الدساتير السودانية نص واضح و صريح عن تكوين حكومة طوارئ في زمن الحروب و الازمات. و على الرغم من ذلك يسهل الاستنتاج إنه في زمن الازمات تقرر الدساتير السودانية تدابير حكومية لمواجة الظروف الطارئة. نصت الفقرة (ب) من المادة 211 من دستور السودان عام 2005 على انه يجوز لرئيس الجمهورية، بموافقة النائب الأول، أثناء سريان حالة الطوارئ أن يتخذ بموجب القانون أو الأمر الاستثنائي، أية تدابير لا تقيد، أو تلغي جزئياً، أو تحد من آثار مفعول أحكام الدستور واتفاقية السلام. و لكن يجوز له، ضمن أمور أخرى،  أن يقوم بـ “حل أو تعليق أي من أجهزة الولايات، أو تعليق أي سلطات ممنوحة للولايات بموجب هذا الدستور، ويتولى رئيس الجمهورية بموافقة النائب الأول، (تصريف مهام تلك الأجهزة)، ويمارس السلطات أو يقرر الطريقة التي يتم بها تدبير شئون الولاية المعنية”. و من هذا النص نفهم ان لرئيس الجمهورية سلطة قيادة حكومة تصريف أعمال، أثناء فترة الطوارئ. و نصت المادة 41 من الوثيقة الدستورية لسنة 2019 على سلطة مجلس الوزراء في إعلان حالة الطوارئ في البلاد. و قررت المادة على إنه “و في حالة وصول الحالة الاستثنائية درجة تهدد سلامة الامة، يجوز لمجلس الوزراء بالتشاور مع مجلس السيادة، تعليق جزء من وثيقة الحقوق الواردة في هذا الدستور”. أجازت الوثيقة الدستورية لسنة 2019 تعليق جزء من وثيقة الحقوق في حالة الطوارئ، و لكنها لم تتطرق الى تعليق الاحكام الدستورية المنظمة لعمل المؤسسات الدستورية. و من ذلك،  نجد أن المادة لم تمنح بصورة واضحة رئيس الوزراء سلطة تكوين حكومة طوارئ و لا حكومة تصريف الاعمال.

و ملخص ما جاء في أعلاه، أنه لا توجد في الدستور السوداني أي إشارة واضحة و صريحة إلى حكومة طوارئ وإنما تحدث الدستور عن حالة الطوارئ كما بينا في أعلاه. و قد يذهب بعض شُراح القانون الدستوري إلى ان الحكومة التي تقوم بالمهام الاستثنائية و الطارئة تكون وفق المعني السياقي، هي حكومة طوارئ.

هل يصلح تطبيق خيار حكومة طوارئ في السودان؟

باختصار حكومة الطوارئ التي تتكون عن حالة الطوارئ هي حكومة شرعية تجد أساسها في الدستور، و قائمة بالفعل وتتميز بصلاحيات استثنائية.  و الثابت في الحالة السودانية الراهنة أن قيادة الجيش كانت إستولت على السلطة بالانقلاب قبل إندلاع اندلاع الحرب و إنقلبت على الدستور و مؤسسات الحكم القائمة بناء على ذلك الدستور، و بالتالي قيادة الجيش الحالية لا تمثل سلطة شرعية بناء على أحكام الدستور. و بالتالي لا يستقيم ان تكتسب السلطة الانقلابية شرعية ممارسة السلطات الدستورية بعد ان إنقلبت على الدستور و عطلت أحكامه بالقوة.

في الظروف السياسية الراهنة، و مع إستمرار الحرب، و مع غياب الاطار الدستوري المنظم لعملية تكوين حكومة طوارئ مدنية، سيكون من الصعب إنشاء حكومة مدنية فعالة و كفؤة و قادرة على مقابلة إلتزامات الدولة في تقديم الخدمات العامة كما ينادي بذلك بعض أصحاب المبادرات المدنية لايقاف الحرب و إستعادة المسار الديمقراطي في السودان. قد يرشدنا القياس و تفسير العرف الدستوري، إلى أن تقوم سلطة الامر الواقع، و رئيس مجلس السيادة فيها، بتكوين (حكومة حرب) تُعينه في إدارة مؤسسات الدولة أثناء الحرب، و تعمل على تحشيد الايرادات و الموارد و المواطنين من اجل تحقيق أهداف الحرب. و بالتالي، لا تحقق الغرض الذي نادت فيه المؤسسات المجتمعية في مبادراتها بتكوين حكومة طوارئ من كفاءات وطنية مستقلة عن الاطراف المنخرطة في الحرب و تقوم بادارة المرافق الحكومية و تقدم الخدمات العامة.

ثانياً: حكومة تصريف الاعمال‘Caretaker Government’ :

(حكومة تصريف الأعمال) أو (حكومة تسيير الأعمال) هي حكومة مؤقتة ناقصة الصلاحية لأغراض تصريف أعمال الحكومة خلال فترة زمنية قصيرة. تنحصر مهام حكومة تصريف الاعمال في ملء الفراغ التنفيذي في الدولة، الناجم عن حل الحكومة او سحب الثقة منها بواسطة البرلمان. في بعض الأوقات قد تتأسس حكومة تصريف الاعمال خلال مرحلة لاحقة للانتخابات و سابقة لتكوين الحكومة عبر البرلمان، أو أي ظرف طاريء أخر حال دون تكوين حكومة جديدة، أو تاخرتكوينها. و مهام حكومة تصريف الاعمال تنحصر في المحافظة على استمرار العمل الروتيني للحكومة و تصريف اعمالها لا سيما الجانب المتصل منه بالخدمات العامة. ولا يحق لحكومة تصريف الاعمال البت في الامور السياسية او إجراء تصرفات دستورية حساسة. و نجد تطبيق تجارب حكومة تصريف الاعمال بشكل واضح في النظم الدستورية التي تتبع نظام الحكم النيابي البرلماني. و لتمييز حكومة تصريف الاعمال عن الحكومات المؤقتة الاخرى، تصف عبارة “حكومة تصريف الاعمال” الحكومة التي تقوم بمهام مقيدة موضوعياً و زمانياً. و بحسب تجربة المملكة المتحدة تتشكل حكومة تصريف بسبب تأجيل إنعقاد الانتخابات او تأجيل إعلان نتائجها، او لان الحكومة قد تم حلها بسبب سحب الثقة بواسطة مجلس العموم. و تم تنظيم قواعد إنشاء و عمل حكومة تصريف الاعمال في المملكة المتحدة حديثاً في عام 2011 بتضمينها في دليل اعمال مجلس الوزراء  (The United Kingdom, Cabinet Manual 2011)و حسب النظام البريطاني “حكومة تصريف الأعمال” حكومة مؤقتة زمانيا، و محددة من حيث الاختصاصات. و قد شهدت لبنان تجربة حديثة بتكوين حكومة تصريف الاعمال خلال الفترة السابقة.

ضمان استمرارية المرفق العام، هو المبرر لتكوين حكومة تصريف الاعمال في الظروف الاستثنائية.  و ضمان إستمرار المرفق العام تقتضيها حقوق المواطنين و المصلحة العامة. من المهم أن يتحسب واضعو الدستور منذ البداية لضرورة وضع أحكام دستورية تسد الفراغ المحتمل في السلطة التنفيذية. فقد نص الدستور اللبناني على انه في حالة استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة، تستمر في تصريف الاعمال، ريثما يتم إنتخاب أو تشكيل حكومة جديدة خلال مدة زمنية محددة. نص الدستور اللبناني على ان الوزارات تكتفي فقط بالنشاط والذي يدخل في مفهوم تسيير الشؤون الضرورية ذات الصلة بالمصلحة العامة، دون اتخاذ قرارات من شأنها تحميل الحكومة مسؤولية سياسية. و تتكون حكومة تصريف الاعمال بموجب الدستور اللبناني من نفس الوزراء الذين انتهت مدة خدمتهم بحل الحكومة او بسحب الثقة، بحيث يتم تكليفهم بالاستمرار في تقديم الخدمات الإدارية اليومية و الروتينية لمدة قصيرة قد تصل الى شهر واحد او شهرين الى حين تكوين حكومة جديدة (القانون الدستوري اللبناني لسنة 1991 (المادة 17() . و على نفس المبادئ نص الدستور العراقي لسنة 2005 (المواد 61 و 64)، و قد تم تطبيق تلك الاحكام من الدستور العراقي عند تكوين حكومة تصريف الأعمال، بقيادة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

و لا نجد في الدساتير السودانية نصوص واضحة خاصة بتكوين حكومة تصريف الاعمال. نصت المادة 38 من دستور السودان لسنة 1964 على تعريف مختصر و بسيط لمصطلح تصريف اعمال الحكومة، بالقول أن أعمال الحكومة هي كل عمل تنفيذي لحكومة السودان . يصدر مجلس الوزراء قواعد لتصريف أعمال حكومة السودان بأيسر السبل ولتوزيع هذه الأعمال بين الوزراء. و كان دستور 2005 قد تحدث في مادته 2011 الفقرة (ب) عن تصريف اعمال الاجهزة الحكومية  خلال فترة حالة إعلان حالة الطوارئ  بالنص على انه يجوز لرئيس الجمهورية، بموافقة النائب الأول، أثناء سريان حالة الطوارئ أن يتخذ بموجب القانون أو الأمر الاستثنائي، أية تدابير لا تقيد، أو تلغي جزئياً، أو تحد من آثار مفعول أحكام الدستور واتفاقية السلام. و لكن يجوز له، ضمن أمور أخرى،  أن يقوم بـ “حل أو تعليق أي من أجهزة الولايات، أو تعليق أي سلطات ممنوحة للولايات بموجب هذا الدستور، ويتولى رئيس الجمهورية بموافقة النائب الأول، (تصريف مهام تلك الأجهزة)، ويمارس السلطات أو يقرر الطريقة التي يتم بها تدبير شئون الولاية المعنية”.

مع غياب النص الدستوري، لا نجد في التجربة الدستورية السودانية ممارسة واضحة لحكومة تصريف الاعمال كما أن الفقه الدستوري السوداني لم يقدم إية مساهمة يمكن الاطلاع عليها بهذا الخصوص. و لكن من خلال الوقائع قد نجد حكومات قد أنشئت لسد فراغ في السلطة التنفيذية و للقيام بمهامها على نحو طارئ. من بين ذلك ان يتم تكليف وكلاء الوزارات بالقيام بمهام الوزراء الى حين تشكيل حكومة، و هذا ما تم تطبيقه بعد عودة دكتور عبد الله حمدوك للحكومة الانتقالية بعد انقلاب  25 إكتوبر بعد توقيع الاتفاق السياسي في نوفمبر2021 بين قيادات الجيش و الدعم السريع و رئيس الوزراء، لاستمرار الفترة الانتقالية و إلغاء التدابير العرفية التي اتخذها قائد الجيش. و كان رئيس الوزراء قد كلف وكلاء الوزارات لتصريف اعمال الحكومة إلى حين تكوين الحكومة بتعيين وزراء جدد، و لكن الوثيقة الدستورية لسنة 2019 لا تنص على أحكام خاصة بتكوين حكومة تصريف الاعمال.

بحسب التجربة في المنطقة العربية، نجد انه تجنّباً للأخطار والمحاذير التي تنشأ عن الفراغ في السلطة التنفيذية، جرى العرف الدستوريّ على أن يكلّف رئيس الجمهورية الوزارة المستقيلة بالبقاء في الحكم إلى أن تتألف الوزارة الجديدة، ويحدّد نطاق أعمالها بما يسمى “تصريف الأعمال العادية”. وقد أصبح هذا العرف مبدأ أصيلاً من مبادئ القانون العام واجب التطبيق في حالات فقدان الوزارة كيانها الحكوميّ المشروع، ومن بينها حالة الإستقالة. من التجارب الحديثة في ذلك، تجربة حكومة تصريف الاعمال في لبنان في عام 2022 بعد استقالة حكومة ميشيل عون. و تجربة حكومة تصريف الاعمال في العراق في نفس العام 2022 التي كان يقودها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

و أحدث تجربة لحكومة تصريف الاعمال كانت في باكستان في هذا العام 2023. وبموجب الدستور الباكستاني، بعد انتهاء فترة الحكومة أو حلها، يتم تشكيل حكومة تصريف أعمال بالتشاور مع رئيس الوزراء المنتهية ولايته وزعيم المعارضة. وكان في منتصف شهر أغسطس قد أدى أنور الحق كاكار، عضو مجلس الشيوخ السابق عن إقليم بلوخستان، اليمين الدستورية كرئيس لحكومة تصريف الأعمال التي ستشرف على الانتخابات البرلمانية المقررة دستوريا في غضون 90 يوما (The Constitution of the Islamic Republic of Pakistan, 25th Amendment, 2018).

وظائف حكومة تصريف الاعمال:

وظائف حكومة تصريف الاعمال قد تكون محددة في الدستور – او في لائحة تنظيم اعمال مجلس الوزراء كما في حالة المملكة المتحدة،. و لانها ترتيبات مؤقتة – لا يجوز ان تتضمن مهام حكومة تصريف الاعمال أي مهام ذات طابع استراتيجي. لذا دائما ما تتلخص مهام حكومة تصريف الاعمال في الاعمال الإدارية و التنظيمية و الروتينية و لا تتعداها الى رسم السياسات المستقبلية الجديدة.  ليس من حقّ حكومة تصريف الاعمال اقتراح القوانين، أو عقد القروض أو التعيين في المناصب العليا للدولة، أو الإعفاء منها، أو إعادة هيكلة الوزارات.

بحسب التجارب الدستورية المشار اليها تكون حكومة تصريف الاعمال ناتجة عن تفويض من سلطة شرعية منتخبة. و تقوم بممارسة مهامها بصورة واقعية و فعلية باعتراف المكونات الدستورية و المجموعات السياسية المسيطرة على مؤسسات الحكم في البلاد.

هل يصلح تطبيق حكومة تصريف الأعمال في السودان؟:

جاءت نظرية حكومة تصريف الاعمال ضمن ترتيبات النظام الديمقراطي البرلماني و تتضمن إجراءاتها إستقالة حكومة منتخبة او إقالتها بسحب الثقة عنها بواسطة البرلمان. و كما هو واضح أن الواقع الراهن في السودان لا يشابه المتطلبات التي يقترحها النظام الديمقراطي البرلماني. و من المهم إدراك أن حكومة تصريف الاعمال يتم تكوينها من أعضاء الحكومة القائمة، إما بتكليف الوزراء الحاليين بالاستمرار في تصريف الاعمال الروتينية لفترة زمنية قصيرة، و دون أن تتجاوز مهام حكومة تصريف الاعمال إلى الموضوعات الاستراتيجية. و إذ كانت هناك مقترحات بتكوين حكومة من كفاءات وطنية من خارج الحكومة الحالية، فإن هذا الوصف لا ينطبق على حكومة تصريف الاعمال و قد يشابه ذلك الوضع الخاص بتكوين حكومة وفاق وطني.

ثالثاً: حكومة الوفاق الوطني National Consensus Government

تطرح التجارب الدولية نموذجاً آخراً لادارة البلاد  لفترة مؤقتة في زمن الازمات السياسية، لتجاوز الازمة السياسية و الامنية في البلاد عبر تكوين حكومة (الوفاق الوطني)و التي قد يطلق عليها أيضاً حكومة (الإنقاذ الوطني). تلتقي حكومة الوفاق الوطني مع فكرة حكومة الطوارئ و حكومة تصريف الاعمال في أنها تتصدى للظروف الاستثنائية، و بالتالي هي حكومة مؤقتة ذات مهام إنتقالية و عاجلة. و يتم تكوين حكومة الوفاق الوطني وفق توافق سياسي لتجاوز أزمة سياسية. و لان فكرة حكومة الوفاق الوطني، ليست مستقرة على إجراءات واحدة، صارت معرض التباس عند النخب السياسية. مثل هذه الحكومة يتم اللجوء اليها في حالات الاضطراب السياسي المقرون بالفوضى والاضطرابات ، او عند وقوع انقلاب سياسي او عسكري، اذ تقوم هذه الحكومة بعملية منع انهيار كيان الدولة او ايقاف اسباب الانحدار نحو الحرب الاهلية. تتشكل الحكومة في مثل تلك الظروف من شخصيات يتوافق عليها سياسياً، و نزيهة و كفؤة.

وقد يتم تكوين حكومة الوفاق الوطني وفق ترتيبات دولية بواسطة مجلس الامن التابع للامم المتحدة، بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، و قد تكون جزء من ترتيبات وطنية محضة، كان يتم تكوين حكومة الوفاق الوطني كجزء من الاحكام العرفية التالية للانقلاب العسكري، أو تالية لاتفاق سياسي بين القوى السياسية بعد إنجاز حوار وطني أو إتفاقية سلام، وبذلك تكون حكومة توافقية تضم عناصر و قيادات المكونات السياسية المؤثرة. إذن الاطار القانوني لحكومة الوفاق الوطني يختلف عن الدستور الساري في البلاد، حيث لا توجد في الدساتير نصوص تنظم إجراءات تكوين حكومة الوفاق الوطني. بل يصح القول، إن فكرة إنشاء حكومة الوفاق الوطني تتضمن إعتراف بفشل الدستور في تنظيم العلاقات الدستورية و الحفاظ على الاستقرار السياسي و الحفاظ على السلام في الدولة. و لهذا السبب يلجأ السياسيون الى بدائل من خارج الدستور لمعالجة الاوضاع السياسية في البلاد.

و يتوقف نجاح حكومة الوفاق الوطني، على عدة عوامل، من بينها التوافق بين أهم الفاعلين السياسيين، و توحد الارادة السياسية. شهدت تجربة الحرب في البلدان العربية في سوريا و اليمن و ليبيا، محاولات لتطبيق فكرة حكومة الوفاق الوطني، كخطوة إنتقالية نحو السلام و الاستقرار السياسي، و لكن كل تجربة من تلك التجارب لازمتها صعوبات جعلت من غير اليسيرتحقيق الاهداف الانتقالية في السلام و الاستقرار و التوافق السياسي. و بحسب التجارب الحديثة، تتكون حكومة الوفاق الوطني، بموجب إتفاق وطني ناتج عن حوار شامل، و برعاية دولية، كما في حالة إتفاق الصخيرات  Skhirat Agreement  (Libyan Political Agreement, 2015)في التجربة الليبية، و التي إلتزم فيه الاتحاد الاوربي بدعم الحكومة و إسنادها الى حين إنجاز أهدافها الانتقالية (Gazzini, Claudia.  2023).

هل يصلح تطبيق حكومة الوفاق في السودان؟:

حتى يمكن تطبيق فكرة حكومة الوفاق الوطني في السودان في الظروف الراهنة، فأنه يستلزم التوصل إلى إتفاق سياسي بين الاطراف المتنازعة حول الحكم، حيث ان كلمة (وفاق) تشير ضرورة ان تتفق الاطراف على خارطة طريق جديدة. و بمعنى آخريتطلب تطبيق فكرة حكومة الوفاق الوطني إيجاد الاطار القانوني و السياسي، و التوافق حول إنتقال سياسي تقوده حكومة وفاق وطني. و من دون ذلك لن تكون هناك حكومة تحظى برضاء و إسناد أهم الاطراف السياسية.

رابعاً: حكومة المنفى  Government in Exile :

حكومة المنفى هي احد نماذج الحكومات التي يتم تكوينها في ظروف إستثنائية. و حكومة المنفى لا يوجد لها سند دستوري، و تسعى لاكتساب شرعيتها من خلال الاستحواذ على القبول الشعبي و الاعتراف الدولي (Bell, Daniel, and Leon Dennen, 1944).

من الواضح، أنه يطلق عليها “حكومة المنفى” لكونها تنشأ خارج الحدود الجغرافية للدولة بسبب إستيلاء مجموعة على السلطة في البلاد بصورة غير شرعية، بقوة السلاح، بسبب الانقلاب العسكري او بسبب إحتلال البلاد بواسطة قوى أجنبية. و حكومة المنفى هي مجموعة سياسية تدعي امتلاكها الشرعية و تمثيلها للشعب ، لكنها غير قادرة على ممارسة سلطاتها وتعيش بدلاً من ذلك في بلد أجنبي. عادة ما تخطط الحكومات في المنفى للعودة ذات يوم إلى بلدها الأصلي واستعادة السلطة الرسمية. و وفق ذلك تسعى حكومة المنفى الى تمثيل الدولة أمام المؤسسات الدولية، في محاولة لاكتساب الشرعية أمام المجتمع الدولي. و لكن ظلت حكومة المنفى محل نقاش على صعيد القانون الدولي، و لم تنجح الجهود في خلق إجماع بقبول فكرة حكومة المنفى  (Talmon, Stefan, 2012) . هناك تطبيقات كثيرة لحكومات المنفي شهدها العالم منذ وقت مبكر، و تتميز الحكومات في المنفى المكونة على أراضي أجنبية، عن الحكومات التي يكونها المتمردون في الاراضي التي يسيطرون عليها، فالاخيرة تعمل على جزء من أراضي الوطن و وسط جزء من المواطنين.

احدث مثال لحكومة المنفى، نجده في ماينمار و التي تم تكوين حكومة المنفى فيها عام 2021 و اطلق عليها حكومة الوحدة الوطنية لجمهورية اتحاد ماينمار.  تم تكوين الحكومة عقب الانقلاب العسكري الذي حدث في 2021 و تكونت من أعضاء البرلمان المنتخبين وقتها . قام البرلمان المنتخب في ماينمار في نهايات 2020  بتكوين حكومة المنفى و التي يطلق عليها  The Committee Representing Pyidaungsu Hluttaw . (The official website of the Myanmar’s Government in Exile)

الدول التي رفضت الاعتراف بحكومة الانقلاب العسكري في ماينمار، منحت في المقابل حكومة المنفى الاعتراف، و منحتها الدعم السياسي بهدف محاصرة الانقلاب و نزع الشرعية عنه. و من ضمن ذلك، قامت الولايات المتحدة الامريكية و عدد من الدول الاوربية بالاعتراف بحكومة المنفى في ماينمار. (Reuters Report, 4 August 2021:)

من موجبات تكوين حكومة المنفى أن تكون هناك حكومة مكونة بموجب إجراءات ديمقراطية و تحوز على قبول الشعب، و ان يتم حل الحكومة و مؤسساتها الدستورية و الاستيلاء على السلطة بطريقة غير دستورية بواسطة الجيش (عبر الانقلاب العسكري)، او بواسطة الاحتلال الأجنبي للبلاد. ويفترض أن الحكومة السابقة للانقلاب العسكري او الاحتلال، تحتفظ بشرعيتها الدستورية بوصفها تتمتع بالقبول الشعبي و الدولي، و بالتالي تسعى لمواصلة مهامها و تمثيلها للشعب، من خارج حدود البلاد. و في ذلك إنكار و عدم إعتراف بسلطة الامر الواقع التي تقبض على مقاليد الحكم بعد الانقلاب العسكري، و حل المؤسسات الدستورية. و هي بذلك تكون صورة من صور المعارضة السياسية للانقلاب العسكري.

هل يصلح تطبيق حكومة المنفى في السودان؟:

لا يوجد إطار قانوني و دستوري يحكم عملية تكوين حكومة منفى في السودان. و فكرة تكوين حكومة منفى تخدم أغراض سياسية و دبلوماسية للمجموعة السياسية التي كانت تتقلد الحكم بصورة شرعية ، و تمت الاطاحة بها بصورة غير شرعية و أصبحت بعدها معارضة لحكومة الامر الواقع. هذا المقترح قابل للتطبيق خارج السودان بالانطلاق واقعة ان رئيس الوزراء عبد الله حمدوك كان يقود حكومة شرعية تم تأسيسها وفق إجراءات دستورية، تمت الاطاحة بها بواسطة إنقلاب عسكري في 21 إكتوبر 2021. إلا أن نجاح حكومة المنفى يتوقف بشكل أساسي على الاعتراف الشعبي و الاسناد الدولي لحكومة المنفى، كما هو الحال في حكومة المنفى في ماينمار.

خامساً: حكومة الظل Shadow Cabinet :

تتكون حكومة الظل من كبار أعضاء حزب المعارضة الرئيسية والذين يكونون متحدثين اساسين باسم حزب المعارضة في مجالات حكومية محددة. يتم تعيين وزراء الظل من قبل زعيم المعارضة ويتولون عمومًا أدوارًا يتم تصميمها لمراقبة و رصد إداء وزارات الحكومة الفعلية. و تتمثل مهمة كل وزير في حكومة الظل، في فحص و رصد أداء الوزير الذي يقابله في الحكومة الفعلية، و تقديم المقترحات و السياسات البدايلة التي تنسجم مع إستراتيجية حزب المعارضة. لا يعرف تاريخ محدد لظهور مصطلح حكومة الظل، إلا أن المصطلح ظهر في أواخر القرن ال19 في بريطانيا حيث اعتاد أعضاء الحزب المهزوم في الانتخابات النيابية، الدعوة الى الاجتماع لقيادة المعارضة ضد الحكومة الجديدة، وفي الخمسينيات من القرن الماضي أصبحت حكومة الظل جزءا أساسيا من العملية السياسية في بريطانيا. و بالتالي، هي من الممارسات الديمقراطية التي أنتجها نظام ويستمينستر في بريطانيا (Pannell, Jack, 2021).

برغم ما لها من دور فعال في تنشيط النظام الدستوري في بريطانيا، و في تطوير الممارسة الديمقراطية، و في توسيع نطاق الرقابة على أداء الحكومة، إلا  أن حكومة الظل تتكون خارج المنظومة الدستورية – اذ هي تعمل في ظل وجود حكومة فعلية معترف بها في الدولة، و حسب التجربة البريطانية هي ليست حكومة الا مجازا لانها لا تملك السلطة أساسا بل هي جزء من السلطة التشريعية وليس التنفيذية. قد تُنشأ حكومة الظل في عهد حكم دكتاتوري و قد تنشأ في عهد حكم ديمقراطي. و قد استخدم بعض الكتاب مصطلح حكومة الظل على حكومة ماينمار في المنفى، و لكن في إعتقادي ان الامر لا ينطبق على حكومة ماينمار في المنفى و التي تتخذ موقعها في واشنطن( Yang, Mary and Gramer, Robbie: Report, 2023) .

و استناداً على تعريف مصطلح “حكومة الظل” كما رسخته تجربة ويستمنستر، لم تكن للسودان تجربة الدستورية في ممارسة و تنظيم حكومة الظل سواء في النظم الديمقراطية أو النظم الدكتاتورية العسكرية. إلا أن السودان قد شهد تجربة فريدة لتنظيم الشباب في هياكل و لجان لما اطلق عليه ( حكومة الظل السودانية)، و في ذلك كانت حكومة الظل نشاط معارض لحكومة الرئيس المخلوع عمر حسن البشير، ابتدره نشطاء سياسيون و مهتمون بالشأن العام في عام 2011 بقصد مراقبة الأداء الحكومي و انتقاده من خلال تقارير دورية. لاحقاً، و بعد سقوط حكومة المشير عمر حسن البشير في أبريل 2019، كون النشطاء في حكومة الظل حزب جديد بأسم حزب بناء السودان (Official website of the Shadow Government in Sudan).

هل يصلح تطبيق حكومة الظل في السودان؟:

إن تجربة حكومة الظل، قابلة للتطبيق في السودان في ظل كل الظروف السياسية، و هي تشكل مستوى من مستويات المراقبة و الرصد، و المشاركة الفعالة في ممارسة حقوق المواطنة و في تحقيق الاهداف القومية. و لكنها لن تكون فعالة في سد الفراغ في السلطة التنفيذية في السودان، و لن يكون بمستطاعها  إدارة المرافق الحكومية و تقديم الخدمات العامة للمواطنين. ترتبط فعالية حكومة الظل في تحقيق أهدافها بدرجة رسوخ تقاليد الممارسة الديمقراطية ووعي الجمهور بمفاهيم الديمقراطية، و من المعلوم أن الممارسة الديمقراطية في السودان غير متجذرة على صعيد المؤسسات المجتمعة .

سادساً: الحكومة التي يتم تكوينها بموجب قرار من مجلس الامن: نموذج حكومة كوسوفو:

هذا نموذج آخر لتكوين حكومة مؤقتة بعد إنتهاء الحرب. و هذا النموذج يتأسس بموجب قرار من مجلس الامن التابع للأمم المتحدة، بموجب سلطاته تحت الفصل السابع، من أجل صيانة السلم و الامن الدوليين. و كانت قد دخلت جمهورية يوغسلافيا في حرب أهلية طاحنة منذ مطلع تسعينات القرن السابق. في 1999 اصدر مجلس الامن قراره S/RES/1244 (1999) القاضي بسحب كل القوات اليوغسلافية و الصربية من اقليم كوسوفو و الاعلان عن نشر قوات الامم المتحدة في اقليم كوسوفو(Official website of UNMIK)  و تكوين إدارة من الامم المتحدة لادارة إقليم كوسوفو استمرت لمدة عشرة أعوام كانت تقوم فيها  بمهام الدولة في كوسوفو بموجب تفويض من مجلس الامن. و نالت كوسوفو بعدها استقلالها بصورة نهائية في 2008.

فور مغادرة القوات الصربية أرض كوسوفو عام 1999، تم إنشاء بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو يونيميك (The UN Security Council resolution 1244 (1999))، ثم انتخاب حكومة كوسوفو المؤقتة. ووفقاً لولايتها ، تساعد البعثة في ضمان الظروف المواتية لحياة طبيعية سلمية لجميع سكان كوسوفو ، والنهوض بالاستقرار الإقليمي في غرب البلقان. تركز أولويات البعثة على تعزيز بناء الثقة بين المجتمعات ، واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون ، والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والشباب.

ومنذ تلك اللحظة ظلت عملية بناء المؤسسات السياسية متواصلة، ولكن بثنائية وعلى التوازي، فمن ناحية هناك المؤسسات والبعثات الدولية، ومن ناحية أخرى هناك مساعٍ متعددة لإنشاء مؤسسات سياسية محلية كوسوفية بديلة. وخلال السنوات الأولى التي تلت تحرير كوسوفو، كانت مؤسسة بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو هي التي تعود إليها الكلمة الفصل في اتخاذ القرارات السياسية، في حين كانت الأطراف السياسية  والحكومية الكوسوفية مهتمة أساسًا بعملية بناء المؤسسات لتمكينها لاحقًا من لعب أدوار متقدمة وأكثر حضورًا في مجالات التشريع وأعمال السلطة التنفيذية. في 17 فبراير من عام 2008، تم الاعلان عن استقلال كوسوفو، و تحول جانب كبير من صلاحيات بعثة الأمم المتحدة في كوسوفو (يونيميك) إلى المؤسسات  الوطنية الكوسوفية.

نخلص من ذلك، أن تصريف اعمال الحكومة في كوسوفو كان بموجب قرار من مجلس الامن، و الذي منح تفويضاً  لإدارة دولية لحماية المواطنين. إن الادارة الدولية التي كانت تقوم بمهام تصريف أعمل الحكومة في كوسوفو قامت  با نشاء مؤسسات سيادة حكم القانون، و تقديم الخدمات الاساسية مثل التعليم و الصحة و أيضا إدارة القضاء و خدمات الشرطة، ضمن خطة طويلة المدى لبناء الدولة و حماية المدنيين و انهاء الحرب الاثنية. و بالتالي، كان ذلك ترتيب يتضمن مساعدة الدولة في الاستقرار السياسي و التعايش السلمي و التنمية، و يتضمن كذلك أهداف ذات نطاق أوسع، ألا و هي إنهاء النزاع المسلح و صيانة السلم و الامن الدوليين.

هل يصلح تشكيل حكومة مؤقتة بقرار أممي في السودان؟

تم تأسيس بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في الانتقال الديمقراطي في السودان (ينتامس) بموجب قرار من مجلس الامن (UNSC resolution 2524 (2020)) ، ليكون لها اختصاص محدد في المساعدة في انجاح التحول الديمقراطي من خلال – المساعدة في تنظيم الانتخابات – كتابة دستور للسودان – و المساعدة في حل الازمة الاقتصادية – و بناء السلام المستدام. من المؤكد ان تطور الاحداث على الارض و تأثيرها على الامن و السلم الدوليين، هو الذي سيحدد التطور في موقف مجلس الامن تجاه السودان، و سيحدد الدور الجديد الذي من المفترض أن يلعبه مجلس الامن. إن تجربة الامم المتحدة في كوسوفو كانت مكلفة مالياً، و وضعت أعباء إدارية و تقنية و لوجستية كبيرة على عاتق الامم المتحدة و مؤسساتها، و ليس من السهل العودة لتلك التجربة. و أي تغيير في مهام البعثة الحالية  في السودان يتطلب التوافق حول قرار جديد من مجلس الامن حتى يوسع من مهام البعثة لتشمل  مهام سياسية و إدارية جديدة.

الفصل الخامس: النتائج و التوصيات

  • إن الوثيقة الدستورية لسنة 2019 لا تحتوي على أي أحكام تنظم إجراءات تكوين حكومة مؤقتة في زمن الازمات السياسية و الامنية في السودان. إن التدابير الاستثنائية الواردة في الوثيقة الدستورية جاءت ضمن الاحكام الخاصة بإعلان حالة الطوارئ. و على الرغم من أهمية إيجاد نصوص دستورية واضحة لمعالجة مسالة تكوين حكومة مؤقتة في الظروف الاستثنائية، إلا أن كل الدساتير السودانية منذ الاستقلال خلت من الاحكام و الاجراءات التي تنظم تكوين حكومات مؤقتة بأي صيغة من الصيغ.
  • الظرف السياسي الذي يعيشه السودان يجعل تطبيق بعض نماذج الحكومات المؤقتة غير ممكناً. بعض نماذج الحكومات المؤقتة لا يمكن تطبيقها إلا في ظل نظام حكم ديمقراطي، مثل حكومة الطوارئ و حكومة الظل و حكومة تصريف الاعمال التي يمكن تطبيقهما في النظام الديمقراطي البرلماني. و يتم تطبيق نموذج حكومة الوفاق الوطني في الاوضاع اللآحقة لاتفاق سلام شامل او وفق تدابير إنتقالية يؤسس لها مجلس الامن بموجب قرار للمساعدة في بناء السلام و التحول الديمقراطي في البلاد.
  • مع إتساع نطاق الاعمال الحربية بين الاطراف المتحاربة، و تنامي عدم الثقة بين حكومة الامر الواقع و مؤسسات المجتمع المدني و الاحزاب السياسية سيكون من غير اليسير تكوين حكومة مدنية مستقلة في ظل الحرب. إن أي حكومة يتم تكوينها في ظروف الحرب ستكون بالضرورة حكومة لدعم النشاط الحربي و معبرة عن إرادة الطرف المنتصر او المسيطر على الاوضاع العسكرية في الارض.
  • إن توقيع إتفاق سلام شامل هو الطريق الايسر لتكوين حكومة مؤقتة مدنية تعمل وفق خطة لبناء الديمقراطية و السلام المستدام في السودان. يوفر إتفاق السلام التدابير الاستباقية و الاطار التشريعي و الدستوري لتكوين الحكومة المؤقتة لفترة ما بعد الحرب. من بين التدابير الاستباقية المطلوبة، توفير الاطار التشريعي الذي بموجبه يتم وضع تدابير إنتقالية توافقية – مثل ذلك الاطار التشريعي قد يكون قد نجده في إتفاقية سلام شامل تتضمن أحكام دستورية تيسر إجراءات تكوين تكوين المؤسسات الانتقالية.
  • لن يكتب النجاح للتوافق السياسي الذي يهدف  الى تكوين حكومة مؤقتة في السودان، الا باستصحاب الفئآت المجتمعية ذات المصلحة الحقيقية في التغيير نحو الاستقرار السياسي و الديمقراطية والسلام و التنمية المستدامة. و في ذلك، من المهم دعم آليات القوى السياسية لإشراك لجان المقاومة والمرأة والشباب والنازحين واللاجئين. يجب على المجتمع الدولي استخدام آليات المساعدة الخاصة به لدعم المشاورات ومشاركة القوى المدنية والقادة السياسيين و المجموعات المجتمعية الفعالة، بما في ذلك النساء والشباب. وسيكون هذا الاستثمار طريق لتأسيس حكومة مسؤولة أمام المواطنين، وهو أساس ضروري لأي حكومة انتقالية.
  • أثبتت التجربة السياسية السابقة و اللآحقة للحرب إن مسألة التوافق السياسي هي عامل حاسم و مهم في الاستقرار السياسي و بناء السلام المستدام في السودان. تنتهي إجراءات التوافق السياسي باطلاق عملية سياسية واسعة بتيسير دولى إقليمي ينتج منها وثيقة توافق وطني يلتزم بها الأطراف العسكرية المتحاربة.
  • في ظروف الحرب و سيادة منهج العنف و ضعف السلطة التنفيذية سيكون من المهم على المؤسسات العسكرية، و لاسيما المنخرطة في الاعمال الحربية ان تكون ملتزمة بوثيقة التوافق الوطني و ان تلعب دور في حماية الحكومة المؤقتة و ان تلتزم بالاحكام الخاصة بوقف إطلاق النار و حماية المدنيين.
  • إن تكوين حكومات متعددة في السودان في مناطق سيطرة الجيوش المتحاربة، بان ينشئ كل فريق من المتحاربين حكومة في منطقة سيطرته لن يسهم في حل المشكلة و من المتوقع ان يزيد الازمة و يضعف فرص الحل و يعرض المدنيين إلى العديد من المخاطر و سيزيد من فرص تفكك السودان.
  • تكوين حكومة بموجب إتفاق سياسي و إتفاق لوقف إطلاق النار، و برعاية دولية مستقلة و نزيهة، سيجعل من الممكن إنشاء آلية دولية لمراقبة تنفيذ الاتفاق و الذي من بين موضوعاته سيكون تكوين الحكومة المؤقتة و ضمان نجاحها و استقرارها. و بالتالي سيكون من الضروري و من المهم بمكان إنشاء جسم رقابي يرصد و يراقب السلطة المؤقتة الناشئة.

   

–        Gazzini, Claudia,  2023, Forming a Unity Government May be Libya’s Best Bet for Healing Rift, International Crisis Group, 7 August 2023.

–        Stigant, Susan, In Sudan, a Narrow Opportunity to Get the Democratic Transition Back on Track (United States Institute for Peace. 20022)  https://www.usip.org/publications/2022/07/sudan-narrow-opportunity-get-democratic-transition-back-track

https://constitutionnet.org/vl/item/sudan-constitutional-declaration-august-2019

 https://www.instituteforgovernment.org.uk/article/explainer/caretaker-government

  • Pakistan, The Islamic Republic of, The Constitution of the Islamic Republic of Pakistan (As amended up-to the 25th Amendment, 31st May, 2018).

https://senate.gov.pk/uploads/documents/Constitution%20of%20Pakistan%20(25th%20amendment%20incoporated).pdf

  • Libya, The State of, Libyan Political Agreement, 17 December 2015. Skhirat, Morocco.

https://unsmil.unmissions.org/sites/default/files/Libyan%20Political%20Agreement%20-%20ENG%20.pdf

 

  • United Nations, The UN Security Council resolution 1244 (1999), establishing The United Nations Interim Administration Mission in Kosovo (UNMIK). https://unmik.unmissions.org/

–        United Nations, the Security Council resolution 2524 (2020), 3 June 2020, the, establishing the UN Integrated Transition Assistance Mission in Sudan (UNITAMS. https://unitams.unmissions.org/en/mandate#:~:text=On%203%20June%202020%2C%20the,political%20transition%20to%20democratic%20rule.

  • Reuters Report, March 2023: Sudanese talks hit roadblock over security sector reform

https://www.reuters.com/world/africa/sudanese-talks-hit-roadblock-over-security-sector-reform-2023-03-30/

–        Reuters Report, 4 August 2021: U.S. State Dept. No.2 Sherman speaks with Myanmar shadow government.

https://www.reuters.com/world/asia-pacific/us-state-dept-no2-sherman-speaks-with-myanmar-shadow-government-2021-08-04/

https://www.aljazeera.com/news/2019/7/17/sudan-what-have-military-and-opposition-coalition-agreed-to

القذافي إنتصار. 2020. “اثار تطبيق نظرية الظروف الاستثنائية على مبدأ الشرعية الدستورية”. مجلة القرطاس للعلوم الانسانية والتطبيقية 11 (نوفمبر). https://alqurtas.alandalus-libya.org.ly/ojs/index.php/qjhar/article/view/10.

جابوربي ,اسماعيل ، نظرية الظروف الإستثنائية وضوابطها في القانون الدستوري الجزائري – دراسة مقارنة . كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة قاصدي مرباح ورقلة ( الجزائر )، دفاتر السياسة و القانون، العدد الرابع عشر، 2016. https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/120/8/14/52674

قرارات رئيس مجلس السيادة الانتقالي و القائد العام للجيش في السودان الفريق الركن عبد الفتاح البرهان، في يوم الاثنين الموافق 25 إكتوبر 2021.

شكراوي، علي، و البديري، إسماعيل صعصاع، التنظيم القانوني لأنظمة الاستثناء (دراسة مقارنة)، جامعة بابل (العراق)، مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية، العدد الثالث/ السنة السادسة، 2014.

دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 – المادة 74. الجريدة الرسمية – 12 سبتمبر 1971.

القانون الدستوري اللبناني لسنة 1991 (المادة 17( .

سامي عبد الحليم سعيد، خبير دستوري في السودان و له  إسهامات كثيرة في مسائل الاصلاح القانوني في بيئآت الانتقال الديمقراطي، يعمل حاليا مدير برنامج المؤسسة الدولية للديمقراطية و الانتخابات في السودان منذ عام 2020.  عمل في الفترة من 2006 و حتى 2020 مستشارا قانونيا في في مكتب الممثل الخاص للأمين العام للامم المتحدة في عدد من بعثات الامم المتحدة لحفظ السلام. خلال عمله في الامم المتحدة قدم العديد من التحليلات والأبحاث حول قضايا الاصلاح القانوني في مرحلة ما بعد الدكتاتورية و النزاعات المسلحة. تتضمن خبرته السابقة ممارسة المحاماة أمام المحكمة الدستورية في السودان؛ و تدريس القانون العام في الجامعات السودانية. عمل بصورة متواصلة مع منظمات المجتمع المدني في تطوير قدرات المجتمع في بناء السلام، ومنع ومكافحة التطرف العنيف في القرن الأفريقي، والمشاركة السياسية للمرأة في بيئة ما بعد النزاع.

له العديد من الكتب و البحوث المنشورة، و تشمل اهتماماته البحثية موضوعات الاصلاح الدستوري والديمقراطية والعدالة الانتقالية وحقوق الإنسان.

 

[ad_2]

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى