السياسة السودانية

د. كمال الشريف يكتب : (الفجوة) بين المشير وجبريل

المرحوم حمدي والذين معه، قاموا في وقت ما وفي زمن ما في تاريخ وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وهذا اسمها كاملاً ولا يعني الاسم على مسماه، قاموا بنشر مشروعهم الضخم الذي يهز العالم طولاً وعرضاً والاقتصاد وطناً واسماً ونضالاً، وكان مشروع التحرير والانفتاح للاقتصاد الوطني بأن تأتي نظرية العرض والطلب في كل حركة التجارة والاقتصاد والمال في البلاد، وحررت كل الأسعار إلا سعر (الجنيه) أصبح مقيداً تقييداً يوصلك لحبل المشنقة كما حدث.
وكانت هذه هي مفاجآت نظرية التحرير التي لزمتها شعارات واغنيات ونظريات جديدة في الاقتصاد أشهرها (اشتري وخزِّن) وأقواها (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع).
ومفارقات نظريات الاقتصاد في أن الجنيه مقيد والباقي مطلوق السراح وظهرت المفارقة في النظرية بأن أصبحت العُملة (سلعة) ما بين الأفراد المقربين للنظام والأقوياء في النظام، وبيعت المصارف والشركات والمصانع وكل قطاعات الحكومة التي كانت هي (بنية تحتية) تحمي العملة من أن تستورد الدولة كمالياتها من الخارج، ويمكن ان تصنع أو تعمر في الداخل حتى الزراعة، قضي على مشروع الجزيرة وكل الآليات التي ترفع شعار الأكل مما نزرع فوق الرؤوس وأصبحنا نستورد الثوم والبصل والطماطم من الصين وسوريا وغيرها من دول المحور المقربة للأفراد وليست الدولة.
وجاءت نيفاشا وقسمنا السلطة والثروة وحددنا بعبقرية جماعة الإنقاذ الأولى أن تكن الجنوب دولة وأدخلنا الشعار المشهور الذي جعل لكل قبيلة ولكل جماعة ولكل عمودية ولكل طريقة ولكل مشيخة ولكل اسرة ولكل حركة تجارة مسلحة لتحرير أرضها منهم أولاً الحق كاملاً في (تقسيم السلطة والثروة)، وأصبحت حكاية تقسيم السلطة هي بيان أولاً بأن تصبح لنا ٣١٢ وزارة و١٢ مستشاراً و٢٧ ولاية …الخ أرقام الإنفاق الحكومي وتخرج كل موازنة يقول صاحبها او وزير ماليتها إنه قلل الإنفاق وزاد الإيراد وهي عكس انعكاس كل وزراء المال والاقتصاد يُخطِّطون أولاً لكيفية زيادة الإيراد وشيطنة الإنفاق
وبعدها يعلنون الترتيبات لجبايات أخرى.
وأخذ أهل الجنوب نفطهم بعد أن سرق أهل الشمال من أهل الشمال من حق نفط الجنوب أيام الشراكة وأيام خلق أزمة الشراكة أو شركاء الأزمة حقهم في التقاتل في المناصب وحق الحديث السياسي اكثر من ٢١٧ مليار جنيه، وقتها كان المليار ملياراً قبل أن يصبح مليوناً وألفاً وتذهب أصفار لتركب فوق رؤوس المال والاقتصاد والسياسة والأخلاق في السودان أصفار أخرى.
تصبح صاحبة الجاه والمنصب والدين والسياسة وندخل في دوامة دخول البلاد في الفجوات ونحن من قروش بترول الشراكة لم نُعمِّر إلا للحزب ولزعماء الحزب وأسر الحزب والمؤلفة قلوبهم للحزب، وأسّسنا شركاتنا مشاركة مع الأمن ومع الجيش ومع أجانب، وأخرجنا أموالاً الى خارج البلاد أيام العقوبات بمسميات مختلفة ونحن أول من أسس تجارة وثعلبة للاقتصاد أيام العقوبات، وكانت العقوبات هي فجوة جديدة في اقتصادنا، وزدنا الفجوة فجوه أخرى، واصبحت ثلاث فجوات فجوة ايام التحرير وفجوة ايام العقوبات وفجوة ثالثة بعد الانفصال، وكل هذه الفجوات كان لها تجار وكانت لها شركاتها وكانت لها استثماراتها، وكل فجوة اعلنت كان يصاحبها تهريب من ثروات الدولة وتهرب من العقوبات على الدولة وأصبحت الشراكة مع السلطة الأمنية الحاكمة هي الرابح الأكبر لتبقى السلطة السياسية وتحميها الامنية بمختلف مسمياتها. وخرج المشير البشير ليعلن الفجوة الرابعة في الموازنة في شهر سبتمبر٢٠١٣، وقتها كتبت وأحمد بلال وزيراً للإعلام وناطقاً رسمياً (للهوت دوق) وعلي بن محمود ممثلاً لقطاعات دارفور وزيراً للمال والتخطيط والاقتصاد (كيف تسد يا ريس فجوة موازنة وبقي على نهايتها الربع الأخير) ، اين ذهبت نجاحات الربعين الاوائل حتى (تنقد) وتصبح لها فجوة في الربع الأخير منها، وقتها تنصّل علي محمود وصرخ مهاتفاً انا لست مؤتمر وطني، اسألهم يا دكتور أين ذهب مال الربعين الأوائل من العام المالي، وصرخ في أذني د. صابر يا رجل عندهم بعد الانفصال ١٧١ وزيراً وعشرات المستشارين وللجيش والأمن شركات ومصانع، كل أموالها خارج سيطرة المالية، عليهم أن يسيطروا عليها، وأن يقللوا الإنفاق الحكومي وأن يرفعوا الدعم تدريجياً بمسمى عقوبات أمريكا والنزاعات وتكلفة حماية البلاد من الخونة …الخ اليساريين، ورفض علي محمود ومن معه من برلمان المؤتمر الوطني فكرة دمج أموال الأمن والجيش والقطط السمان في خزينة المال العام، وخرج المشير في قاعة الصداقة وأعلن أنه لا بد عليهم أن (يسدوا الفجوة). وحكى حكايات كتبت له أن الدولار يشتري بكذا من السوق للحكومة وتقوم الحكومة ببيعه بكذا حماية لمشروع الدعم، وأعلن الفجوة وهو يعلم أنّ من يشتري الدولار من السوق ويبيعه للحكومة هو من حكومته يجلس بجانبه في المنصة ويسكن بجواره في المنزل وكانت مجزرة ٢٠١٣، وسُمي المتظاهرون والمحتجون فيها بمسميات مختلفة لتحمي الحكومة مشروعها الخاص بالفجوة.
وبعد سبتمبر ٢٠١٩ كانت الفجوة الرابعة والتي نعيشها اليوم والأيام التالية
وبنفس مميزات نيفاشا وشراكة السلطة والثروة وثبات سعر الصرف، جاءت شراكة العسكر والمدنيين التي فتح بها رجل منظمات واقتصاد حمدوك أفقا جديدا للدولة لإعفاء الديون ورفع العقوبات وإنشاء آليات سوق حر مختلفة من تلك التي كانت أيام حمدي حررت السوق وقيّدت الجنيه.
هنا كانت شراكة المجتمع الدولي في تحربر الجنيه قبل تحرير السوق، وكان اتفاق جوبا شاهداً آخر يشبه اتفاق نيفاشا في أيامه الأخيرة ما بين السلطة والثروة ولكن هذه المرة سبقت (الثروة السلطة). وخرج حمدوك ومن معه من اليساريين الكفرة الذين سرقوا أموال الشعب وحقه السياسي والثوري وقمعت جماعة قحت وقمع زعيمهم حمدوك واتى اهل القسمة من اتفاق جوبا ليأخذوا حقهم من الثروة محل العاصمة، وكانت الفجوة الحالية التي تكبر هوتها كل يوم وبدأت مجموعة من رجل الأعمال والسياسة هذه المرة من حفر فجوات متعددة حتى تتبيّن لهم حقيقة السيطرة على ما تبقى من ثروة قبل قسمة السياسة أو قسمة الوطن، وننتظر كيف ينظر جبريل ومن معه وآخرون لفجوات اخرى قادمة، من يسد الفجوة هذه المرة.
وتبقى فجوات الاقتصاد بأكملها عقبت عملية سلام او مشروع أمن وسلام لأهل السودان تبقى القضية في السودان هي قضية ثروات منهوبة فقط وليست سياسات وإدارات تتحكّم في قيادة البلاد لمشروع سياسي ووطني قومي كامل قبل أن يكن مشروعاً لاقتسام الثروات وكأنها شراكة تجار رأسمالية وليست شراكة انتماء لوطن او لأرض أو لكل شعارات نتغنى بها
إذن سلام نيفاشا كان فجوة مال ووطن وانسان وتبعه سلام جوبا بنفس مميزات نيفاشا، وبنفس الآليات وبأفراد تغيّرت ملابسهم ومسمياتهم لمشروع تجارة وحرب واستثمار وتبقى فجوات اقتصادنا في فراغات قياداتنا.

صحيفة الصيحة


مصدر الخبر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى